كان هيكل يرى أن "السياسة في حرب أكتوبر خذلت السلاح"، فلم يستطع السادات أن يفرق بين القتال والحرب، وروى في كتابه النص الكامل للرسالة التي بعث بها الرئيس السادات برسالة إلى وزير خارجية الولايات المتحدة هنرى كيسنجر فى صباح يوم 7 أكتوبر 1973 ، ولم يكن مضى على بدء المعارك أكثر من عشرين ساعة، وتحقيق القوات المصرية تلك الانتصارات الساحقة، وقد وقعها السيد حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومى ، وجاء فيها أن مصر لا تعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة .
وعلق هيكل عليها في كتابه أنها كانت أول مرة فى التاريخ يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة، ويعطيه من التأكيدات ما يمنحه حرية الحركة فى معركته السياسية و العسكرية، وقد قام كيسنجر بنقل هذه الرسالة فور وصولها له إلى جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل، ترتب على هذه الرسالة أن قام الجيش الاسرائيلى بالتركيز على الجبهة السورية بعد اطمئن قادته لنوايا مصر، ليسترد المبادرة على الجبهة السورية ، ثم يعود بعدها للجبهة المصرية.
ويؤكد هيكل في كتابه أنه اعتمد على مجموعة من الوثائق أتاحها له الرئيس "السادات" مباشرة، وقد ظلت علاقة هيكل بالسادات جيدة حتى حرب أكتوبر، وانتهى خلافهما بقرار أصدره السادات في الثاني من فبراير 1974، بنقل هيكل من الأهرام للعمل مستشارًا للرئيس، وهو ما رفضه هيكل بوضوح، كان قرار السادات بإبعاد هيكل عن "الأهرام" بداية القطيعة بينهما، واستكمل السادات بوضع هيكل في السجن ضمن اعتقالات طالت كثيرين من المعارضين في سبتمبر 1981.
ومن جانبه، حين سألناه، اتفق المؤرخ عاصم الدسوقي - تماماً - مع رؤية هيكل لحرب أكتوبر ورأي أن كتابة هيكل عن اللانصر واللاهزيمة في حرب أكتوبر كانت السبب في إبعاد السادات له عن مؤسسة "الأهرام"، حيث رسم هيكل في مقاله على يمين الصفحة خريطة قناة السويس وقال أن الجيش المصري عبر القناة للضفة الشرقية، والجيش الإسرائيلي عبر القناة من الضفة الشرقية إلى الضفةالغربية "الثغرة عند الإسماعيلية"، ومن ثم أصبح لا هزيمة ولا نصر. وفي كتابه "السلاح والسياسة" كشف بالوثائق ما حدث في حرب أكتوبر، وكتب أن التسوية السياسية لحرب أكتوبر والتي اتضحت في مباحثات كاب ديفيد في سبتمبر 1978، واتفاقية السلام في 26 مارس 1979 ليست من حجم النصر أو العبور.
أيضاً اتفق الكاتب الكبير صلاح عيسى مع وجهة نظر هيكل في حرب أكتوبر قائلاً أن خطة الحرب كما يقال آنذاك وضعت على أنها حرب تحريك لا حرب تحرير، وأن الهدف من العملية العسكرية كما قال السادات نفسه آنذاك هي هز نظرية الأمن الإسرائيلي، وإقناع الإسرائيليين أنهم ليسوا باحتلال الأرض يستطيعون ضمان السلام، فقد كان الهدف من الحرب هو التوصل لاتفاقية سلام مع إسرائيل بشروط معقولة. وهو هدف محدود نسبياً رفضه القادة العسكريون آنذاك.
وتابع عيسى قائلاً أنه من الناحية العسكرية المحضة كان لابد من بناء الخطة العسكرية على هدف الوصول إلى خط المضايق في سيناء، وهو خط استراتيجي مانع يعطي الجيش المصري وضع متميز، يجعل من الصعب الهجوم عليه من قبل العدو، ويحقق في الوقت نفسه هدف تحرير سيناء كلها، لأنه يحول بين الجيش الإسرائيلي وبين الجيش المصري. وهذه الخطة لم يقرها السادات لأنه كان يرغب في تدمير خط بارليف والتقدم بضع كيلو مترات في سيناء، في حين أنه لو تم تطوير الهجوم على إسرائيل لتم الاستيلاء على سيناءكاملة.
يلتمس الكاتب الكبير العذر للسادات لأن إمكانيات الجيش العسكرية لم تكن كما ينبغي حينها، لكنه في الوقت نفسه يرى إمكانية تطوير الهجوم حينها على مواقع العدو.
ويتفق عيسى مع ما رآه هيكل في أن إدارة حرب أكتوبر سياسياً لم تكن صحيحة، لافتاً إلى أن هيكل أطلعه عام 1986 على وثائق وسمح له بنشرها في جريدة "الأهالي" حينذاك، منها رسالة أرسلها السادات يوم 8 أكتوبر أثناء الحرب أعلن فيها لأمريكا أنه ليس في نيته تطوير الهجوم أو توسيع نطاق الاشتباكات، ويوم 16 أكتوبر قال خطابه الشهير في مجلس الشعب، وأعلن أنه على استعداد أن يوقف القتال ويذهب إلى الأمم المتحدة وذلك أثناء ذروة الاشتباكات فيما عُرف بثغرة الدفرسوار، الأمر الذي أدى إلى استرخاء المحاربين في رأي هيكل.
الشئ المؤكد – يواصل عيسى – أن الرئيس السادات كان متعجلاً لتحقيق النصر، واستجاب للمحاولات الأمريكية التي قادها كيسنجر مستشار الأمن القومي في الإدارةالأمريكية حينها لتبريد الجبهة المصرية في اشتباكها مع إسرائيل.
ورغم أن الرئيس السادات يستحق التقدير والاحترام من أجل شجاعته في اتخاذ قرار الحرب كما يؤكد الكاتب الكبير إلا أن إدارته للتفاوض وإعلانه أن حرب اكتوبر هي آخر الحروب كان خطأ، لكنه لجأ إلى ذلك عندما شعر أن النصر فقد بريقه ولم يحقق نتائج ملموسة، لذلك قام بزيارة القدس الأمر الذي خلق نوعاً من الانشقاق في العالم العربي، ودفع السادات إلى قبول بعض التنازلات بسبب خطأ مقاطعة العرب له، فقد كان من الممكن وجود تقسيم أدوار من أجل ضغط أكبر على العدو الإسرائيلي، لكنه حين شعر بأنه وحده سعى للحصول على مكاسب من إسرائيل.
ومن وجهة نظر الكاتب التاريخي د. محمد حافظ دياب فإن حرب أكتوبر كانت نصرا عسكريا وهزيمة سياسية، وكان هيكل أول من أعلن ذلك صراحة.
من جهة أخرى، نفى دياب ان يكون مهاجمته للسادات واختلافه معه بسبب إبعاد الأخير لهيكل من منصبه بالأهرام، قائلاُ أن هيكل ساعد السادات في انقلاب مايو وتصفية أعوان عبدالناصر، كما كان مؤازراً للسادات في ضرورة دخول مصر الحرب، لكن ما إن وقعت الحرب حتى بدأ يحذر هيكل من التدخل الأمريكي في الشئون المصرية، وما تنبأ به تحقق كما يقول دياب فيما سمي عام الانفتاح الاقتصادي، ثم ما حدث عام 1976 من ظهور ثلاثة منابر هم اليمين واليسار والوسط تمهيداً لتشكيل الأحزاب، وقيل حينها أن أمريكا فرضت على السادات أن يقوم بمجموعة من الممارسات الديمقراطية منها إتاحة فرصة إقامة أحزاب سياسية، وصولاً إلى كامب ديفيد الأمر الذي جعل هناك فراق بين هيكل والسادات لا رجعة بعده.
وأكد دياب أن مصر حاليا مستعمرة سياسية لأمريكا، ومرهونة بالمعونة الأمريكية التي ننتظرها كل عام، لذلك فإنه بعد 40 سنة على حرب أكتوبر لم يتحقق على المستوى السياسي أي شئ في صالح مصر.
وخلافا للرأي السابق، يرى أديب الحرب أحمد عبده أن اتفاقية السلام خطوة كان لابد أن يقوم بها السادات، فلم يكن ممكناً الاستيلاء على سيناء بأكملها عن طريق الحرب التي جاءت لتحريك القضية، لكن الأديب يتفق مع هيكل في أن السادات لم يستثمر الانتصار وعمل على إجهاض نصر أكتوبر حين لم يلتفت لمصر ولم يسع لتقدمها ورفعتها إلى مصاف الدول المتقدمة عسكرياً واقتصادياً، وكأنه اكتفى بتحقيق النصر، فقد كان ما يهمه هو انتزاع سيناء كاملة حتى وإن انتزع أظافر مصر في سبيل تحقيق هذا وهو ما فعله.
أما الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد الذي كتب قصيدته من الجبهة يوم 7 اكتوبر لتنشر في اليوم التالي تحت عنوان "الحرب لسه في أول السكة" أكد أن أكتوبر كانت حرب تحريك وليس تحرير ، أهدر السادات النصر حين بدأ المفاوضات، فرغبته في التقرب من أمريكا جعلته يفعل كل شئ لاسترضائها ، باعتبارها تملك كافة اوراق اللعبة كما يتصور.
ويرى فؤاد أن استمرار الحرب كان هو الخيار الأفضل لكن الرئيس اخذ قرار وقف الحرب سريعاً، قائلا أنه لم يجد ذلك غريباً على السادات وسياساته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.