الخميس، 12 سبتمبر 2013

إبراهيم خان.. فنان سوداني سحر سهير رمزي

ولد ابراهيم خان في 12 أغسطس 1936, وودع عالمنا في 9 يناير 2007 , قضي نحو 50 عاما منها في محراب الفن ليصبح أول فنان سوداني يفرض وجوده في السينما المصرية.
نشأ خان في مدينة ود مدني السودانية لأب سوداني كان عاشقا للفن, يتغنى بألحان سيد درويش وأم صعيدية تُدعى "مبروكة" من مدينة قنا المصرية.
ونتيجة عشق والده للفن, نمت بداخله بذرة الفن منذ الصغر, حيث انبهر بالرسم والغناء والسينما, وكان والده يصطحبه معه بصفه مستمرة للسينما في الخرطوم ليشاهد الأفلام الاجنبية بوجه عام والأفلام المصرية بوجه خاص, وكان يكافئه كلما حقق تفوقاً دراسياً بالذهاب لأحد العروض المسرحية, وكثيرا ما صحبه الى مصر ليشاهد الممثلين وجهاً لوجه في المسرح

أبلة فضيلة

ظل حبه للفن قاصرا على الهواية فقط حتى تخرج في الجامعة وعمل باحدى الوظائف الحكومية, الا أن عشق الفن ظل يراوده, فأصر على المجيء الى القاهرة لتحقيق طموحاته الفنية, وساعده صديقه السوداني خالد العجياني في الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية عام 1959, ورحب عميد المعهد في هذا الوقت ممدوح أباظة بموهبته فألحقه بقسم التمثيل, وقد أبدى أبيه سعادة بالغه بهذه الخطوة, فيما حزنت أمه كثيرا لفراقه وغربته عنها.
ومن حسن حظ خان انه التقى خلال دراسته بالفنان القدير جورج ابيض الذي أسدى إليه مجموعة من النصائح في كيفية مواجهة الكاميرا والتعامل معها, وكذلك مواجهة الجمهور على خشبة المسرح, وأثناء دراسته بالمعهد عمل موظفا باذاعة "ركن السودان", كما قام بكتابة واعداد الكثير من برامج الأطفال للاذاعة المصرية وخاصة لبرنامج الأطفال الشهير "أبله فضيلة", واتجه فيما بعد لكتابة مسلسلات الكبار, وهكذا الى أن تخرج من المعهد عام 1961 وكان من دفعته يوسف شعبان ورشوان توفيق وحمدى أحمد.
والطريف أنه في نفس العام الذي التحق فيه لدراسة الفنون المسرحية, زار المخرج حلمي حليم المعهد بحثا عن وجوه جديدة للمشاركة في فيلم "حكاية حب" مع عبدالحليم حافظ ومريم فخر الدين ووقع الاختيار عليه ليجسد ابن عم مريم فخر الدين الذي يظهر في مشاهد معدودة مروجاً شائعة وفاة عبدالحليم بالخارج, ولفت الأنظار نحوه بهذا الدور ليتوالى ظهوره في أعمال أخرى مثل "رجل بلا قلب" مع يحيي شاهين وهند رستم و"القلب له أحكام" مع فاتن حمامه وأحمد رمزي وغيرها من الأعمال.

العسل المر

وتصادف في نفس عام تخرجه افتتاح التلفزيون المصري رسميا, فعمل في العديد من البرامج والمسلسلات مثل "نادي الشباب" اخراج حسين كمال و"عائلة سي جمعة" اخراج حمادة عبدالوهاب, و"البيانو الأبيض" مع محمد سالم وغيرها, لكنه لم يكن يشعر بوجود مؤثر حيث رشح طوال ثلاثة أعوام بعد تخرجه لأدوار لا تتفق مع حجم موهبته, وحينما بدأ في تجسيد ادوار كبيرة الى حد ما, حدثت انتكاسة السينما المصرية بعد هزيمة يونيو ما ادى الى انتقال معظم الفنانين لبيروت, فسافر معهم, وهناك عمل مع نقيب السينمائيين اللبناني محمد علي الصباح في فيلم "العسل المر" من انتاجه وبطولة راندا وموفق بهجت, و"عتاب" مع محرم فؤاد وسميرة توفيق, ثم مثل مع صباح في "ايدك عن مراتي " و"كرم الهوي" وعدد كبير من الأفلام الأخرى, حيث قضى هناك خمسة أعوام كاملة شارك خلالها في نحو 25 فيلما كان معظمها يغلب عليها طابع الأكشن والاثارة لأن ملامحه الشكلية ونظراته الثاقبة وقوامه الفارع دفعت المخرجين لترشيحه في أفلام الجريمة والمغامرات التي تدور في فلك عصابات التهريب والاتجار في المخدرات وماشابه.
وبعد أن حدثت انفراجة في السينما المصرية وعاد الانتاج لطبيعته, عاد الى مصر بناء على طلب المخرج حسام الدين مصطفى ليشارك في بطولة فيلم "الشجعان الثلاثة" مع رشدي أباظة وشمس البارودي, ليجد نفسه محاصرا بأدوار الشر حيث شارك في "الأشرار" و"الثعلب والحرباء" و"موسيقى وجاسوسية وحب" و"ابن الشيطان" مع فريد شوقي ومحمود المليجي وتوفيق الدقن ونجلاء فتحي و"دائرة الانتقام" وغيرها من تلك نوعية التي لم يستطع الافلات منها.
المدهش انه حين سئل في آخر أيامه عن الأدوار التي يعتز بها في مسيرته, قال بدون تردد دوري في "غروب وشروق" مع رشدي أباظة وسعاد حسني وصلاح ذوالفقار حيث لم أكن شريرا على الاطلاق, فرغم قصر مساحة الدور وتقديمي شخصية طيار يتزوج من ابنة رئيس القلم السياسي في مصر قبل الثورة, ويتعرض للقتل على يد والد زوجته منعا من اعلان فضيحة زوجته بعد اكتشافه لخيانتها له, الا أن الدور كشف عن قدرات وأشاد بأدائي النقاد والجمهور, وتوقعت بعده أن يتم ترشيحي لادوار مشابهة الا أن المنتجين والمخرجين ظلوا على موقفهم مني بترشيحي لأدوار الشر والعصابات, حتى نجحت في تغيير جلدي في العديد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية مثل سهرة "الفخ" مع مصطفى فهمي وقدمت فيها دور ضابط شرطة, كما شــارك خـــان في مســـلســل "أم العروسة" قدم فيه شخصية أستاذ جامعي و"اللعب في المضمون" الذي قدم فيه دور مراهق كبير لزوجة عاقلة "رجاء الجداوي" وغير هذا من الأدوار التي قدمها في سنوات عمره الأخيرة و معظمها بعيد عن النمط الذي اشتهر به في السينما.

الهاوية

وعن الأسباب التي أدت لتمتعه بشهرة واسعة خلجيياً أكثر من مصر, أكد الفنان المتميز أن النصوص التي كانت تُعرض عليه من الدول العربية كان يجد فيها ما كان يبحث عنه من جودة واتقان, كما يجد حرفية في العمل الفني تفوق أعمالا كثيرة كانت تعرض عليه في مصر ومن ثم كان يستمتع وهو يقدمها.
لكن من أكثر أدوار الشر التي شعر بسعادة تجاهها, فيلم "الصعود الى الهاوية" مع مديحة كامل ومحمود ياسين, والذي كتب الهاوية الأديب صالح مرسي وأخرجه, كمال الشيخ, وجسد فيه شخصية صبري, الذي يعمل مهندسا في قواعد الصواريخ والمطارات الحربية بالجيش المصري, يتمتع بالخجل والانطوائية وضعف الشخصية وعدم وجود أي تجارب عاطفية سوى مع خطيبته عبلة التي يقوم جهاز الموساد بتجنيدها وبسبب حبه لها وضعف شخصيته أمامها ينصاع لأوامرها فيمدها بالمعلومات المطلوبة عن كل ما يحدث في الجيش من استعدادات وانشاءات حتى تدمرها اسرائيل.
هذا الدور مثل أدوار كثيرة جسدتها الفنان الراحل بعيدة كل البعد عن شخصيته الحقيقية, فقد كانت طباعه مختلفة كل الاختلاف حتى أنه في حياته الخاصة خاض تجربة الزواج عدة مرات, فبينما نجح في التعتيم على حياته الخاصة في السودان ولم يتم التعرف عما اذا كان تزوج هناك أم لا لم يستطع أن يفعل الأمر ذاته حينما أصبح فنانا مشهورا, حيث تناثرت أقاويل عن زواجه فترة قصيرة من الفنانة سهير رمزي لكنه أكد أن الأمر لم يتجاوز حدود الخطبة, وهكذا الحال بالنسبة لقصة الحب التي عاشها مع الفنانة ميرفت أمين قبل زواجها الأول من المطرب السوري موفق بهجت في نهاية الستينات.
وكان أول زواج معلن من نادية عبد الهادي مضيفة الطيران وتعرف عليها خلال احدى رحلاته وعاش معها قصة حب عاما كاملا حتى تم الزواج في اكتوبر 1973 واستمر الارتباط الناجح أعواما طويلة حتى أنه تحدث في ذلك بقوله أنه اختارها بعقله وليس بقلبه, لكونه أحب يوما بقلبه وعانى صدمة كبيرة دون أن يصرح باسم من صدمته, ثم حدث الزواج الثاني المعلن من السودانية سالي خان أم ابنته رحمة التي رحل قبل أن يفرح بها كزوجة, وظل هذا الزواج قائما حتى نهاية حياته.
وحينما تم سؤاله عن سبب تعدد زيجاته, قال: إن الزواج في كل مرحلة من مراحل عمر الفنان شيء أساسي لتحقيق الاستقرار .
من هنا ندرك وجود مفارقات واختلافات عديدة بين طبيعة ابراهيم خان الشخصية وأدوار الشر التي برع وتألق فيها, لكن كيف وجهنا السؤال الى بعض الفنانين الذين عرفوه عن قرب.
رفيق مشواره وزميله في المعهد الفنان الكبير يوسف شعبان قال: ابراهيم خان رحمة الله عليه من الأشخاص المميزين في كل شيء, يقف الى جانب زملائه وقت المحن والأزمات فيقدم لهم ما يستطيع من دون أن ينتظر المقابل, وحين يمر هو بازمة و مشكلة يسعى لحلها منفردا, واختلفنا سويا بسبب أسلوبه هذا فكان يرد على بهدوء: لا أريد ان أزعج أحد بمشكلاتي وأزماتي.
وينتقل الفنان شعبان للحديث عن التناقضات بين طبيعته الشخصية والأدوار التي كان يقدمها فيقول: قدمنا سويا عدداً كبيراً من الأفلام والمسلسلات , وفي معظم هذه الأدوار قدم حالات متناقضة بشكل كامل مع شخصيته الحقيقية كونه انسانا طيب القلب ونبيلا في أخلاقه وتعاملاته مع الجميع.
وأذكر جيدا ما حدث في مسلسل "رأفت الهجان" الذي قدمت أنا فيه شخصية ضابط المخابرات وقدم هو شخصية اليهودي ذي الأصل البولندي الياهو جادوسكي في الجزء الثاني من المسلسل حيث استعان بشقيقه الأصغر الذي كان متزوجا من بولندية وتعلم منهما الكثير من الكلمات والصفات والنمط البولندي فأتقن الدور وقدمه على أفضل ما يكون وهكذا كان يفعل أو يسلك في كل أدواره الأخرى.

نهاية الشياطين

ويتحدث المؤلف الكبير فيصل ندا قائلا: لقد شارك الفنان الراحل ابراهيم خان في بطولة عدد كبير من الأفلام التي قمت بكتابتها في الستينات والسبعينات مثل "الشجعان الثلاثة" و"نهاية الشياطين" و"الأشرار" وغيرها.
ويواصل ندا كلامه: أذكر أن المخرج كمال الشيخ حينما رشحه للمشاركة في "الصعود للهاوية" مع محمود ياسين ومديحة كامل ليجسد شخصية صبري المهندس الطيار الخجول والانطوائي فوجئ بالمنتج يقول له: كيف تقوم بترشيح ابراهيم خان الذي اشتهر بأدوار اللصوصية والعصابات في الأفلام ليقدم هذا الدور? الا أن كمال الشيخ أصر وأعطاه الدور.
ليأتي الفيلم بعد هذا ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
شاركت الفنانة مادلين طبر مع خان في بعض أعماله الأخيرة وترى أنه كان محبا للحياة ولكل الناس بدرجة كبيرة على خلاف الكثير من تركيبة الشخصيات التي يمثلها في الفن, وكنت دائما ألقبه بصاحب القلب الطيب والمخلص لأصدقائه, وكثيرا ما كنت أشاكسه قائلة: "بصراحة مش عارفه أنت بتجيب منين الشر ده كله في أعمالك رغم انك في الحقيقة مختلف تماما".
وكنت قبل التعرف عليه أو العمل معه معجبة بقدرته على تقمص الأدوار التي يقدمها ولم أكن أتصور أبدا أنه يتمتع بكل هذا القدر من الطيبة التي تتناقض وبشكل كامل مع الأدوار التي اشتهر بتقديمها.
كان ذا موهبة طاغية, ومع ذلك لم يحصل على ما يستحق من تكريم بالشكل الذي يتفق مع عطائه الطويل والمميز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر