يقول محمد حسنين هيكل: «بالنسبة للجيش المصري فان حرب اليمن كانت تجربة قاسية لم تقتصر قسوتها على مجرد توزيع قواته على مسرحين يفصل بينهما أكثر من ألفي كيلومتر وانما الأقسى من توزيع القوات ان المسرح الساخن في البداية وهو اليمن قد أعطى القوات المسلحة دروسا خاصة تضر أكثر مما تفيد!».
ولا يبتعد هذا الكلام عما جاء على لسان الفريق الشاذلي، الذي كان قائدا للواء ولمدة عام.
وعند الفصل الخامس من كتاب «البحث عن الذات» لأنور السادات يكشف الجزء الثامن من هذا الفصل وجهة نظر أخرى عن حرب اليمن تكتمل بها الصورة من جوانبها العديدة، ويعترف قائلا: «كنت أنا المسؤول عن الناحية العسكرية ولكنه كعادته أساء التصرف فبدلا من ان يجعل من حرب اليمن ميدانا لتدريب قواتنا على حرب العصابات وعلى تكتيكات جديدة انقلبت الحرب الى تجارة ومنفعة وأصبحت مسرحا جديدا يثبت عليه عامر أقدامه وينشر نفوذه بحيث لا يستطيع أحد ان يزحزحه عن مكانه كمركز القوة الأول في مصر، هذا الى جانب تورطه في المعونة العسكرية من لواء الى لواءين الى ان أصبح لنا في يوم من الأيام 70 ألف جندي هناك لم يتم سحبهم الا بعد هزيمة 1967 عندما اتفق الملك فيصل مع عبدالناصر على ذلك في مؤتمر الخرطوم فشلت حرب اليمن عسكريا فقد كنا نحارب بجيش نظامي عدوا متمرسا في حرب العصابات، ولكن رغم كل شيء لا أستطيع القول بان تضحياتنا ذهبت هباء فاليمن قد تخلص من حكم الامام الذي كان أسوأ من أي حكم في العصور الوسطى ثم ان عدن نالت استقلالها كنتيجة طبيعية لمعركتنا في اليمن، صحيح ان الحرب قد استنفدت جزءا كبيرا من رصيدنا من العملات الصعبة وأنها أعاقت فرقتين من أكفأ الفرق العسكرية عندنا عن الاشتراك في حرب 67، ولكن هذا كله لا ينفي ان التدخل في ثورة اليمن كان ضربة سياسية لابد منها...».
الطريق إلى النكسة
عندما عاد الشاذلي من اليمن التحق بهيئة التدريب، ولم يكن هناك في الأفق ما يلوح أو ينذر بحرب مقبلة مع اسرائيل كما يقول حتى الى ما بعد شهر ابريل عام 1967، وقتها كان عبدالحكيم عامر هو نائب القائد الأعلى، والقائد العام، ولهذا عين شمس بدران وزيراً للحربية وجاءت الأخبار عن حشود اسرائيلية على الحدود السورية وسافر الفريق محمد فوزي وكان وقتها رئيس أركان الحرب الى هناك لكي يشهد الموقف على الطبيعة، وكان الشاذلي في هذا الوقت قد رفع الى رتبة اللواء ولكنه من غير أفراد المطبخ العسكري كما قال وعندما وصلته التعليمات وكان مطلوباً ان ينفذها في وقت قياسي أبدى استغرابه لذلك، خاصة ان قوات كبيرة كانت لاتزال في اليمن واستراتيجياً ليس من الواجب فتح جبهتين في وقت واحد ومع ذلك كان القرار من القيادة العليا وعلينا الامتثال، وكانت الخطورة ان أغلب قادة الجيش في هذا الوقت لديهم شحنات بالغة من كراهية اسرائيل، من حارب عام 1948، أو شارك في العدوان الثلاثي لكن هذا الشحن ذهب في اتجاه اليمن وليس اسرائيل أولاً.
ويمكن ان نلخص الوضع قبل حرب 67 بما جاء على لسان الرئيس الراحل أنور السادات، خاصة ان الشاذلي لا يحب الكلام عن أمور لم يكن طرفاً فيها أو شاهداً عليها.
يقول السادات: كانت الأجواء في عام 1967 تتسم بالكآبة ومصر مفلسة ومشاكل الخدمات التي أجلها رئيس الوزراء علي صبري متراكمة منذ عام 1962 والصراع بين عبدالناصر وعبدالحكيم تصاعدت وتيرته وفي يوم جمعة من شهر فبراير من ذلك العام ذهبت لزيارة عبدالناصر على غير موعد فسألت الضابط المختص ان كان الرئيس قد استيقظ أم لا؟، فأخبرني انه في غرفة مكتبه فدخلت عليه ووجدته يجلس وقد وضع رأسه بين يديه حزيناً مهموماً وقفت أراقبه حوالي دقيقتين ثم فاجأته بسؤالي: جرى ايه يا جمال؟، مالك؟
التفت اليّ في دهشة فقد كان واضحاً انه لم يحس بدخولي الحجرة وقال:
ايه اللي جابك النهاردة يا أنور؟
قلت: النهاردة الجمعة وأنا لي مدة لم أرك قلت أفوت عليك ندردش سوا وأنا عارف أنك يوم الجمعة بتبقى لوحدك.
قال لي: والله عملت طيب.. أقعد.
جلست وسألته مرة أخرى: مالك شايل الدنيا على دماغك ليه يا جمال؟
قال: يا أنور البلد بتحكمها عصابة وأنا مستحيل أكمل بهذا الشكل أكون أنا المسؤول وعبدالحكيم ينفذ ما يريد، الأفضل لي ان أترك منصبي وأجلس في الاتحاد الاشتراكي ويتولى هو رئاسة الجمهورية ومستعد للتحقيق معي عن الفترة التي توليت فيها.
والسادات يرمي بمسؤولية فشل الوحدة بين مصر وسورية على أكتاف عبدالحكيم، وبعد أيام عرف ان حكيم أرسل شمس بدران الى عبدالناصر يطلب رئاسة وزراء مصر وبذكاء طلب منه ان يترك الجيش مقابل ذلك، قال عبدالناصر ذلك وهو يعرف مقدماً ان عبدالحكيم لن يفرط في منصبه العسكري.
وفي اجتماع ضم زكريا محيي الدين وعبدالحكيم عامر وحسين الشافعي وعلي صبري وصدقي سليمان رئيس الوزراء في هذا الوقت، وأيضاً السادات الذي يحكي:
قال لهم جمال عبدالناصر: حشودنا في سيناء تجعل الحرب محتملة بنسبة 50 في المئة أما اذا أغلقنا المضايق فالحرب مؤكدة مئة في المئة، ثم التفت الى عامر وسأله:
هل القوات المسلحة جاهزة يا حكيم؟
فوضع عامر يده على رقبته وقال: برقبتي يا ريس كل شيء على أتم الاستعداد.
ويكمل السادات مؤكداً ان تسليح مصر كان قوياً بالفعل وقد سألنا عبدالناصر عن اغلاق المضايق ووافقنا جميعاً على اغلاقها باستثناء صدقي سليمان الذي طلب التروي وان نأخذ في الاعتبار حالتنا الاقتصادية والخطط التي توقفت بسبب منع المعونة الأميركية، ولم يهتم عبدالناصر بذلك وكان ميالاً لاغلاق المضايق حتى يوقف مزايدات العرب عليه وحتى يحتفظ بمكانته الكبيرة في الأمة العربية، وبهذا أصدر أوامره باغلاق المضايق وسحب قوات الطوارئ الدولية.
ويقول الشاذلي كيف كانت عمليات حشد القوات المصرية تتم بطريقة استعراضية، أشبه بالمظاهرة بينما الحرب تقوم على السرية، ويؤكد ان خطة حشد القوات في العريش ورفح مرتبكة لا هي هجومية ولا دفاعية، والتخطيط العسكري في مجمله كان عشوائياً، وأفضل ما يجيب على هذه التفاصيل الفريق محمد فوزي رئيس الأركان، ولكني عندما أتحدث عن التخبط وقد لمسته، عندما استدعاني الى القيادة في منتصف مايو والأوامر التي تصدر حائرة، تمركز هناك تحرك هناك الى الشمال، الى اليمين، حتى قطعت سيناء بأكملها ذهاباً واياباً وهذا ما يؤدي الى استهلاك الدبابات وانهاك القوات، وحيث انني كنت في هيئة التدريب وهي جهة ليس لها قوات تم انتدابي وشكلت مجموعة عمليات خاصة من بعض وحدات منها كتيبة مشاة وكتيبة صاعقة وكتيبة دبابات، وأصبحت أنا قائدها وكانت تتبع قيادة سيناء مباشرة برئاسة الفريق صلاح محسن وهذه المجموعة التي شكلتها عرفت بعد ذلك في الدراسات العسكرية بمجموعة الشاذلي وخلال 10 أيام تغيرت المهام المكلف بها 3: 4 مرات حتى استقر بي المقام لحراسة المنطقة الموجودة بين المحورين الأوسط والجنوبي في سيناء.
وللتوضيح فان سيناء لها 3 محاور، المحور الشمالي من القنطرة ثم يميل بجوار الساحل الشمالي الى العريش ورفح وغزة والطريق الأوسط الذي ينطلق من الاسماعيلية في اتجاه الحسنة وبير سبع، والمحور الجنوبي من منطقة الشط والسويس ويتجه غرباً الى نخل والتمد والحدود الاسرائيلية والمسافة واسعة بين المحور الجنوبي والأوسط وكانت هناك مخاوف ان العدو اذا أراد الهجوم فسينطلق من المحور الرئيس على طريق الاسفلت عبر الأراضي المفتوحة ثم يحاول الاختراق من المنطقة التي أقوم بحراستها، والأمر لا يتوقف هنا على عدد القوات الموجودة معي، لكن على طريقتي في توظيفها وكيفية مواجهة العدو.
وفي يوم 4 يونيو وصل ضابط اتصال من القيادة في سيناء وأخبرني أنني مطلوب في الثامنة صباحاً، حيث سيصل المشير عبدالحكيم عامر ليلتقي بالقادة وأنت منهم.
وكان مكان الاجتماع مع المشير في مطار فايد وهو ما يحتاج الى 5 ساعات حتى أصل الى هناك لان الطرق وعرة وأخبروني بان طائرة هليوكوبتر ستصل في السادسة صباحاً لكي تأخذني أي أنني في صباح يوم الحرب 5 يونيو وفي الاجتماع أو المؤتمر وجدت القادة ومنهم عبدالعزيز سليمان وعبدالقادر حسن وصلاح محسن وقادة من أسلحة المدرعات والمدفعية، ومن الطبيعي ونحن زملاء في لقاء مثل هذا ان نتبادل الأحاديث الودية والسلامات انتظارا لوصول المشير، ولكن فجأة سمعنا صوت انفجارات ووجدنا المطار الذي نحن فيه ينفجر وقد تم ضربه، تصور معظم القادة هنا، والجيوش وحدها واسرائيل تضرب، هل هي صدفة؟، أم أنها مدبرة؟ الى هذا الحد، والمفترض ان طائرة المشير في الجو والمدفعية عندها علم بذلك أي ممنوع الضرب، وكان بامكان اسرائيل لو عرفت بوجود كل القادة في هذا الاجتماع ان تضربهم جميعاً بضربة واحدة وتصبح القوات بدون رأس وهي مجرد جسد وعرفنا ان مطارات عدة في أنحاء مصر يتم ضربها في التو واللحظة.
انها أمور تحتاج الى بحث وتثير علامات الاستفهام وكان ذلك في الثامنة صباحاً وكان ضرورياً ان يعود كل قائد الى موقعه وسط جنوده، أخذوا سياراتهم وانطلقوا الا أنا لابد لي من طائرة لكن كيف تطير في هذا المناخ وقد سيطرت اسرائيل على الوضع جوياً، وقد تم تدمير أغلب المطارات خلال ساعتين على أكثر تقدير.
أي أننا باختصار خسرنا حرباً لم ندخلها، ولم يكن أمامي الا الركوب بالسيارة مع أقرب قائد لمجموعتي، وحتى هذا الوقت لم نكن نستشعر مدى الكارثة، وكنا نرى الطائرات الاسرائيلية تتجول فوق رؤوسنا ونحن في السيارة، وبعد حوالي 12 ساعة كنت قد وصلت الى معسكر مجموعتي، ولم تكن القوات الاسرائيلية قد اقتربت من المحور الذي أقوم بحراسته وكنت على بعد 20 كيلومترا من الحدود الفلسطينية، ولان الاتصالات شبه مقطوعة وجدت القائد المناوب أو النائب لي يضرب أخماسا في أسداس ولا يعرف ماذا يفعل، لكنه أخذ وضع الاستعداد وحاولت الاتصال بقيادة سيناء وفشلت، وحاولت مع القيادة العامة وفشلت، ثم وجدت الطيران الاسرائيلي يحلق فوق رأسي!!
خارج السياق
أسد الصاعقة (2)
وهنا نستكمل قصة ابراهيم الرفاعي أحد أبطال الصاعقة الكبار وخلف منه دائماً سنجد تعليمات وتعاليم أستاذه الشاذلي.
عندما حدث العدوان الثلاثي على عام 1956 تطوع الضابط ابراهيم الرفاعي ليقود احدى مجموعات الفدائيين التي أرعبت القوات الغازية في مدينة بورسعيد التي ظل يقاتل بها حتى انسحاب قوات العدوان. وبعد نكسة يونيو 1967 عبر الى سيناء ليجمع الجنود والضباط العائدين ويعود بهم. شرع الرفاعي في تكوين مجموعته ويبدأ في مهاجمة العدو بسيناء.
وفي عام 1968 عاد الرفاعي من احدى العمليات ومعه أول أسير اسرائيلي هو الملازم دان شمعون (كان عبدالناصر لا ينام قبل ان يعود الرفاعي من عمليات العبور ويتصل به شخصياً ليطمئن منه على نجاح العملية).
وبعد استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في 9/3/1969 أثناء تفقده لجبهة القتال طلب الرفاعي الاذن بمهاجمة الموقع الاسرائيلي الذي خرجت منه الطلقة وعبر ورجاله وقتلوا كل من في الموقع .
في يوم 18 أكتوبر تم تكليف مجموعة البطل بمهمة اختراق مواقع العدو غرب القناة والوصول الى منطقة (الدفرسوار) لتدمير المعبر الذي أقامه العدو لعبور قواته. فقد تقدم شارون ومعه 200 دبابة من أحدث الدبابات الأميركية للاستيلاء على مدينة الاسماعيلية.
وعلى ضوء التطورات الجديدة بدأ الرفاعي في التحرك ونظم مجموعة من الكمائن على طول الطريق من جسر «المحسمة» الى قرية «نفيشة»، وما ان وصلت مدرعات العدو حتى انهالت عليها قدائف الـ «آر. بي. جي» لتثنيه عن التقدم.
وأدرك شارون ان أحلامه تبخرت وانه فشل في أداء مهمته بعد ان رأى اشتعال دباباته وسمع صرخات جنود المظلات وهم يطلبون الرحمة. وادعى الاصابة ويربط رأسه ويطلب طائرة هليوكوبتر تنتشله من الجحيم الذي اشتعل حوله ويترك جنوده
وحدهم يواجهون الموت وشراسة أبناء الرفاعي ويفر الجنود اليهود مذعورين بعد معرفتهم بفرار قائدهم ما دفع بعض القادة اليهود للمطالبة بمحاكمة شارون لفراره من أرض المعركة بعد انكشاف كذبة اصابته ولفشله في تحقيق مهمته رغم كل القوة الرهيبة التي وفرتها له القيادة الاسرائيلية.
وتظل الاسماعيلية صامدة حرة
وبينما يخوض رجال المجموعة قتالاً ضارياً مع مدرعات العدو، وبينما يتعالى صوت الأذان من مسجد قرية «المحسمة» القريب، تسقط احدى دانات مدفعية العدو بالقرب من موقع البطل، لتصيبه احدى شظاياها المتناثرة، ويسقط الرجل الأسطوري جريحاً، فيسرع اليه رجاله في محاولة لانقاذه، ولكنه يطلب منهم الاستمرار في معركتهم ومعركة الوطن.
عبد الناصر والمشير عامر وأسباب النكسة
حتى وقتنا هذا يظل الحديث عن الأسباب الحقيقية للنكسة يشغل العامة قبل أساتذة السياسة وسادتها، وتعددت الاراء وتنوعت.. كان من بينها ما كان يردده الرئيس الراحل "عبد الناصر" دائما أنه يستطيع أن يغرق اسرائيل في البحر مما رآه البعض قولا استفزازيا بالنسبة لإسرائيل؛ جعلها تقدم على الهجوم على مصر. ورأى ثان يرى أن السبب الأساسي في وقوع هزيمة يونيو 1967 يتجسد في العلاقة الحميمية بين الرئيس "عبد الناصر" والمشير "عبد الحكيم عامر" قائد الجيش في ذلك الوقت.
وقد دلل البعض على أن "عامر" كان يستغل حب الرئيس "ناصر" له ويهمل في أمور كثيرة تتعلق بالجيش وأن "ناصر" أيضا قد وضع في يد "عامر" مقاليد الأمور التي لم يكن يجوز أن تكون في يد "عامر" مما أدى إلى ضعف شديد في صفوف الجيش نتيجة إهمال "عامر" له؛ مما أدى إلى وقوع النكسة.
أما الرأى الثالث فكان يؤكد على أن إسرائيل التي بدأت باحتلال فلسطين في 48 ثم هضبة الجولان بسوريا كان من الطبيعى أنها تشن معركة قوية على مصر؛ لأنها وبكل بساطة بدأت في تنفيذ مخططها الصهيوني العالمي الذي يستند إلى مبدأ إسرائيل من النيل إلى الفرات.
الكثير والكثير أثير حول أسباب نكسة يونيو لكن كان علينا أن نأخذ رأي خبراء واستراتيجيين ربما استطعنا معهم أن نصل إلى شئ من الحقيقة.
الأسباب كتير.. اليمن .. الجهل.. والصداقة!
اللواء "صلاح سليم" الخبير الاستراتيجى يقول بأن نكسة يونيو 67 كان لها أسباب كثيرة.. أولها أن مصر كانت قد تورطت في حرب اليمن بشكل خطير أدى إلى وجود أكثر من 70 ألف جندى مصري في اليمن عندما بدأ التوتر المسلح في مايو 67 بين مصر وإسرئيل، والمعروف أن الدول العظمى وحدها هي التي يمكن أن تقاتل في مسرحين في وقت واحد وبخاصة لأنه لم يكن هناك تعاون بين القوات المصرية في اليمن وسيناء لذلك فإن قرار تصعيد الحرب كان سيعد قرارا خاطئا.
والسبب الثاني كما يقول اللواء "صلاح سليم" كان أن الخطة والتحركات في سيناء لم تكن ضمن التخطيط الأسبق وبالطبع فان هذا كان نتيجة لضعف وجهل عناصر عديدة في القيادة العسكرية التي اختيرت على أساس الثقة والولاء، وليس على أساس الخبرة مثل المشير "عبد الحكيم عامر" وبعض قيادات الجيش. كذلك فإن الجهل بقدرات العدو وأساليب قتاله وتطور تسليمه كان سمه واضحة نتيجة ضعف المخابرات الحربية والاستطلاع في ذلك الوقت.
والسبب الذي يأتي بعد ذلك هو أن موسكو وواشنطن معا حرمتا مصر من بدء الحرب ومنعتا أيضا تنفيذ عملية مصرية محددة كانت معدة للاستيلاء على "النقب الجنوبى "ومدينة" رام الرشراش "المصرية التي تحولت إلى "إيلات" فأوقفت مصر تنفيذ هذه الخطة وانتظرت الضربة الأولى من إسرائيل، وقد كان هذا القرار خاطئا.
وعن علاقة "عبد الناصر" والمشير "عامر" وعلاقتها بوقوع النكسة قال سليم إن "ناصر" كان قد حذر بالفعل من ضربة جوية خلال 48 ساعة. لكن "عبد الحكيم عامر" سخر من هذا التحذير وأمر بتقييد نيران المدفعية المضادة للطيران ليذهب لسيناء ويحمى طائرته وبالفعل فإن إسرئيل قد سخرت من هذا الموقف وفي ضربتين جويتين متتاليتين كانت قد دمرت أغلب الطائات المصرية على الأرض.
وإلى جانب ذلك فإنه لم يكن هناك إعداد جيد للمعركة وكان الصخب السياسي الإعلامي والجهد الدبلوماسي غير المخطط سببا أساسيا في فقدان المصداقية في الجيش. وأضاف "سليم" أن علينا ألاّ نظلم ضباط وجنود الجيش المصري؛ فقد كان هناك انحراف من بعض القيادات وعدم تحديد للمسئوليات من القيادات العسكرية والسياسية لكن الجيش دائما مدافعا عن أرضه.
الإصلاح الزراعي هو السبب!
اما اللواء "جمال مظلوم" الخبير الاستراتيجى أيضا فيقول إن القيادة السياسية والقوات المسلحة والمجتمع الدولي أيضا كانوا أسبابا حقيقية في حدوث نكسة يونيه؛ فالمجتمع الدولي كان هدفه ضرب مصر حتى لا تتنامى قوتها العسكرية خاصة بعد تحول مصر للتسلح فحاولت الدول الاستعمارية الأساسية بالتعاون مع إسرائيل في هدم تلك القوة المسلحة الجديدة فيما سمى بالعدوان الثلاثي عام 1956 خاصة وأن مبادئ الثورة كانت تعتمد على جلاء الاستعمار والغاء الاستبداد والاقطاع؛ حيث إن الثورة قد أحدثت رجّة على مستوى العالم.
ويضيف قائلا أما عن القيادة السياسية فيُعاب عليها أنها وضعت نفسها في مازق؛ فالأمور كانت طبيعية حتى النصف الأول من مايو، وبعد ذلك بدأت حالة التوتر بمنع مرور السفن من خليج العقبة وسحب القوات الدولية منه في 11 مايو 67 بعدها في غضون ثلاثة أسابيع جاءت النكسة... لذلك فإن هذا التصعيد يعاب على القيادة السياسية لأنها لم تكن على علم بامكانياتها العسكرية وأيضا لم يكن هناك وفاق بينها وبين القيادة العسكرية على عكس ما كان في حرب 1973 هذا بالإضافة إلى أن القوات المسلحة لم تكن مستعدة للحرب، خاصة وأن الجيش لم يكن قد أفاق من الصدمات التي لحقت به بدايةً من ثورة يوليو 52 ثم العدوان الثلاثى في 56 ثم حرب اليمن التي كان فيها في ذلك الوقت خيرة القوات المسلحة.
أما عن القيادة العسكرية فهي ولا شك كانت منشغلة بأعمال أخرى غير الحرب فقد كان المشير "عامر" يمثل النائب الأول لرئيس في أمور كثيرة كان من بينها على سبيل المثال الإصلاح الزراعى.
وأخيرا يقول مظلوم إنه كان هناك خداع أو تواطؤ من الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة الأمريكية في ضرب مصر، ودليل على ذلك أن الاتحاد السوفيتي كان قد ضلل القوات المصرية عن الأوضاع على الجبهة السورية.
الفوضى والمظهرية هما السبب!
أما الدكتور "محمد السيد سعيد" الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يرى أن اسباب حدوث النكسة فشل دفاعي مريع نتج عن إدارة فوضوية للاقتصاد والمجتمع، وإن العسكريين اهتموا بالمظهريات ولم يعتمدوا على نموذج عقلاني في إدارة الدولة؛ مما نتج عنه بعد ذلك ما سمى "مراكز القوى" فلم تكن هناك وحدة حقيقية في الرؤيا؛ فجاءت القرارات متضاربة وتمثل الحكم في وحدتين... الرئيس على مستوى الدولة والمشير على مستوى الجيش، وقد أتت حالة الوحيدية في اتخاذ القررارات بحالة من الفوضوية وسوء الإدارة. هذا الواقع اتسم بالتشويش وعدم الكفاءة من ناحية اتخاذ التدابير التنظيمية. وأشار "السعيد" إلى أنه كان للصداقة بين "عبد الناصر" و"عامر" تأثر قوي في السيطرة على البلد، وقد أعطى الرئيس "ناصر" لـ"عامر" حقوقا لا يستحقها، خاصة وأن خبراته العقلية كانت لا شيء، وكان يعاني منع عدم الاتزان نتيجة لما كان يتعاطاه من مواد مخدرة بالإضافة إلى أنه لم تكن لديه كفاءة مهنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.