الأربعاء، 28 أغسطس 2013

السياسة والمرض والحب فى حياة عبدالحليم حافظ


عزف لنا الدكتور هشام عيسى طبيب الكبد سيمفونية سردية جميلة وهو يراجع ذكرياته مع عبد الحليم حافظ فى كتاب صدر مؤخر عن دار الشروق . يظهر الدكتور " عيسى " فى صفحات الكتاب صديقا لا مجرد طبيب لعبد الحليم حافظ ذلك العندليب الاسمر الذى أطرب ملايين العرب وتحدث باسم العشاق والمحبين فى مختلف الاقطار . أجمل ما فى الكتاب أنه يعرض لأسرار سياسية خطيرة كان الطبيب شاهدا عليها بحكم مصاحبته الدائمة للعندليب ومعظمها أسرار وحكايات تخص المغرب وملكها الراحل الحسن الثانى الذى تعرض لمحاولات أنقلاب عديدة وأفلت من مؤامرات قتل متنوعة . كما يستعرض الكتاب جزءا من الحياة العاطفية للعندليب مع التركيز على قصة سعاد حسنى وأسباب فشل الزواج بينها وبين المطرب الراحل . كما يغوص الكتاب فى علاقة عبد الحليم بفريد الاطرش وأم كلثوم ويوسف شاهين واحمد فؤاد نجم وغيرهم من قمم الفن فى ذلك الزمان . ولا يخفى الكاتب نزعة " ناصرية " متطرفة عند الحديث عن ارتباط حليم بالثورة وما حققته من أحلام له ولجيله .

الصداقة مع الملك الحسن الثاني


يخصص الكتاب فصلا موسعا عن الصداقة والمحبة التى ربطت بين الملك المغربى الحسن الثانى والعندليب والتى وصلت الى حد مشاركة عبد الحليم فى كافة المناسبات الخاصة والعامة للملك الراحل ، ومساهمة المملكة المغربية فى المشاركة فى علاج العندليب بفرنسا وامريكا . لقد كان الملك الحسن يحب عبد الحليم بشكل خاص ويعتبره استثناء فى تاريخ الفن العربى ، كما أن العندليب بعد الصدمة القاسية التى تعرض لها فى اعقاب النكسة تحول الى مطربا خاصا للبلاط المغربى حتى انه سافر الى المغرب 15 مرة خلال الفترة من عام 1970 وحتى نهاية حياته .

يخصص الكتاب فصلاً موسعًا عن الصداقة والمحبة التي ربطت بين الملك المغربي الحسن الثاني والعندليب، والتي وصلت إلى حد مشاركة عبد الحليم في كافة المناسبات الخاصة والعامة للملك الراحل، ومساهمة المملكة المغربية في المشاركة في علاج العندليب بفرنسا وأمريكا.

لقد كان الملك الحسن يحب عبد الحليم بشكل خاص، ويعتبره استثناء في تاريخ الفن العربي، كما أن العندليب بعد الصدمة القاسية التي تعرض لها في أعقاب النكسة تحول إلى مطرب خاص للبلاط المغربي، حتى أنه سافر إلى المغرب 15 مرة خلال الفترة من عام 1970 وحتى نهاية حياته.

وكان الملك الحسن يستثني حليم من كافة الترتيبات البروتوكولية التي يفرضها على البلاط المغربي، مثل تقبيل يده أو الانحناء أمامه أو غيرها من المراسم التي تميزت بها المملكة المغربية خلال عهد الحسن. لقد كان الملك يعانق حليم كلما رآه، ويسمح له بكل وأي شيء، حتى أنه كان له حق اصطحاب من يشاء من الفنانين للمشاركة في حفلات الملك.


وقد عرف الدكتور هشام عيسى عددًا كبيرًا من رموز الدولة المغربية خلال رحلاته إلى هناك مع حليم، حتى أنه يحدثنا عن انطباعاته الشخصية بشأن الجنرال محمد أوفقير، وزير الداخلية والدفاع، أحد الجلادين المشاهير في العالم العربي، والمتهم بقتل المعارض المغربي المهدي بن بركة، ويقول إنه كان باردًا أنيقًا لطيفًا في كلامه، يضع على عينيه نظارة سوداء، ويرسل نظرات نفاذة، وكانت فاطمة أوفقير، زوجته، جميلة وتحب مصر كثيرًا .

حليم وضباط الانقلاب المغربى

ويحكي "عيسى" قصة انقلاب الصخيرات الشهير، الذي أفلت فيه الملك الحسن من الموت بأعجوبة، وإن كان المؤلف يورد تاريخًا خاطئًا للحادث، هو يوليو 1972، والصحيح هو يوليو 1971، وقد تصورت أن ذاكرتي ضعيفة؛ فرجعت إلى المصادر المغربية لأتأكد، ووجدت بالفعل أن التاريخ الوارد في مذكرات طبيب حليم غير صحيح، وأنا أرجح أن يكون خطأ مطبعيًّا.

وفي يوم الحفل توجه حليم صباحًا إلى الإذاعة لتسجيل أغنية الاحتفال بالملك والتي كتبها محمد حمزة، ويقول مطلعها: "أقبل الحسن علينا / ومن الحسن ارتوينا"، وغاب كثيرًا، وسمع هشام عيسى هرجًا داخل الفندق الذي كانوا يقيمون فيه، وكان كثيرون يجرون داخله والدماء تسيل منهم، وسمع من الإذاعة أن الملك الحسن قتل، وأن الثوار استولوا على الحكم. وسأل وفد الفنانين المصريين عن فريد الأطرش وعبد الوهاب، وعلموا أنهما استأذنا من الملك قبل الهجوم بدقائق للاستعداد للحفل.

كان الملك جالسًا في قصره بالصخيرات على بعد 15 كيلو مترًا من العاصمة عندما هاجم ألف طالب من كلية ضباط الصف القصر، بقيادة الجنرال عبابو، ودارت اشتباكات دموية مات على إثرها نحو 138 شخصًا، وأصيب مئات آخرون، وهرب الملك من أحد الحمامات، وقتل الجنرال المذبوح، وكان ينتظر الثوار داخل القصر، وكان ممن أفلحوا في الهرب السفير المصري بالرباط حسن فهمي عبد الحميد.

وقتها كان حليم داخل الإذاعة عندما فوجئ بقوة من الثوار تستولي عليها، وتطلب منه إذاعة بيان الثورة وإعلان الجمهورية. كان حليم شجاعًا عندما قال لهم إنه ليس له أي علاقة بالسياسة ولا يستطيع أن يفعل ذلك. وبدأت الصورة تكتمل بعد فشل الانقلاب وعودة قوات الحرس الملكي لاستعادة الإذاعة وتخليص حليم منها.




بعد أيام قليلة بدأت الإعدامات في ضباط الصف بعد تعذيبهم على يد الجنرال أحمد الدليمي، وقد احتفل الملك بإعدامهم بالرصاص في وجود الملك الحسين، ملك الأردن، الذي جاء لتهنئة الحسن بنجاته. وقد أذيعت الإعدامات على الناس، وكان الضباط يهتفون بحياة الملك قبل إعدامهم. وقد التقى حليم بالملك الحسن بعد أيام من الحادث فسأله الملك: لماذا رقص الفنانون المصريون بعد سماعهم أنباء الانقلاب؟ فقال حليم في ذكاء: لقد رقصوا بالفعل عندما علموا بنجاة سيدنا.

وقد استقبل حليم بعد عودته إلى مصر فاطمة زوجة الجنرال أوفقير، ورتب لها زيارة إلى الأهرامات، وبعد شهور غنى حليم مرة أخرى للملك الحسن: "رجعت سفينة الحر بالسلامة / ما طالتها موج الغدر والندامة".

وسافر حليم إلى باريس عندما علم بنبأ الانقلاب الثاني الذي دبره الجنرال أوفقير نفسه. في ذلك الحادث أمر أوفقير الطيار أموقران بقيادة سرب طائرات واعتراض طائرة الملك في الجو وإسقاطها بمن فيها، لكن القدر شاء أن تفشل المهمة، حيث اشتعلت طائرة الملك، وأمر قائد طائرته أن يتحدث إلى المقاتلات الأخرى ويخبرهم أن الملك مات ولا داعي لحرق الطائرة، وهبطت الطائرة، ونجح الملك في الوصول إلى قصره، وتم القبض على أموقران، الذي اعترف أن أوفقير أمره بذلك؛ وهو ما دعا الملك إلى أن يأمر الدليمي بإنهاء حياة أوفقير، وبالفعل تم استدعاؤه إلى القصر، وعندما وصل سأل: هل تخلصتم من جميع الخونة؟ فرد عليه الدليمي: إلا واحد. وأطلق خمس رصاصات عليه، وصدر بيان بانتحاره.

بعد الحادث ذهب حليم إلى المغرب، وهنأ الملك بنجاته، فسمع منه شتائم لا حصر لها على أوفقير وزوجته، وفيما بعد سجنت فاطمة وأبناؤها في الصحراء لمدة 18 عامًا. والمثير أن الملك تخلص فيما بعد من الجنرال الدليمي فى حادث سيارة عام 1983.

سعاد حسنى وصلاح نصر

ويتحدث طبيب عبد الحليم بحذر شديد عن قصة الحب التى ربطت المطرب الراحل بالفنانة الراحلة سعاد حسنى . إن الطبيب الصديق يشير الى أن تلك القصة بدأت فى المغرب ، وكان حليم يختار الفنانين الذين يذهبون الى المغرب للمشاركة فى احتفالات الملك . كان الحب واضحا بين الطرفين وعرض عليها حليم الزواج وبعد أيام أخبر حليم طبيبه برفض سعاد حسنى الزواج منه . ويحكى المؤلف أن صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات أتصل يوما بحليم وقال له ان سعاد تعمل معنا ، وهو ما أحزنه فاتصل بها ودعاها الى رفض العمل مع المخابرات فى أى عمل مشبوه . وكان صلاح نصر فى ذلك الوقت يجند بعض الفنانات للعمل مع المخابرات للسيطرة على شخصيات عربية معينة عن طريق الايقاع بهم وتصويرهم فى أوضاع مشينة . وفى اليوم التالى اتصل صلاح نصر بحليم بعد أن كان قد استمع الى مكالمته مع سعاد حسنى وأخبره أن تلك المكالمة أغضبته وهدده ، الا أن حليم رد بأنه لا يخاف منه وطلب منه عدم الاتصال به مرة أخرى . واتصل حليم وقتها بالمشير عامر وحكى له فقال له أنه سينهى الموضوع .

وقد كان حليم يحب أن تثار حوله حكايات عديدة حول غرامياته وكان أكثرها غير صحيح ، خاصة أن المرض أثر تاثيرا مباشرا على حياة المطرب الراحل . ومن الطرائف أن الشاعر الراحل كامل اشلناوى كانت له عبارة شهيرة تقول " إن حليم لا يصدق الا فى الغناء " تعليقا على حكايات الحب التى كان المطرب يشيعها حوله . لكن هشام عيسى يؤكد أن اعجاب كثير من الفتيات والسيدات بحليم وصل الى أٌصى درجات الحب ويحكى قصة كان شاهدا عليها فى باريس . عندما سأله أحد اصحاب المحلات الفرنسيين عن حليم وأخبره أنه رأى صورته من قبل فقال عيسى : أنه أكبر مطرب عربى . فقال الفرنسى أن زوجته تحبه وتعجب به كثيرا . واتصل الفرنسى بزوجته سلمى الجزائرية وقدمت بسرعة وعانقت حليم وقبلته والتقطت معه صور عديدة ثم دعته للعشاء وكلما زار باريس ذهب الى سلمى وزوجها . وفى يوم ما عرف هشام عيسى أن سلمى تشاجرت مع زوجها بسبب حليم وضربها بآلة حادة ثم انتحر بالرصاص .

يوسف شاهين مجنون

ومن بين الحكايات التي يوردها الكتاب أن حليم كان سيقوم ببطولة فيلم من إخراج يوسف شاهين بعنوان "وتمضي الأيام" إلا أن المشروع فشل بسبب الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم. وأصل الحكاية أن حليم فقد أمه بعد ولادته بأيام، وفقد والده وهو صغير، وذهب إلى ملجأ عبد اللطيف بك حسنين بالزقازيق، وكان في عنبر واحد مع الشاعر أحمد فؤاد نجم في سريرين متجاورين، وبعد شهرة حليم زاره نجم مرة واحدة، وكان اللقاء فاترًا، خاصة أن أشعار الفاجومي كانت تنتقد كثيرًا من الأوضاع السياسية بطريقة لاذعة لم تكن تعجب حليم، الذي نشأ وصعد في رعاية الثورة.

وفي بداية السبعينيات عرض سيناريو جديد على حليم ودعا "شاهين" إلى إخراجه، ففوجئ به يقحم الشاعر فؤاد نجم والشيخ إمام ضمن أبطال الفيلم، وغضب حليم وقال عن "شاهين" :"إنه مجنون وجايب اتنين شيوعيين يعلموني الوطنية".

عبد الناصر ليس نبيا

حكاية أخرى تقول إن أول قصيدة كان حليم ينوي غناءها من أشعار نزار قباني كانت في رثاء عبد الناصر. وكان حليم يحب جمال عبد الناصر حبًّا شديدًا، حتى أنه تعرض لنزيف شديد عندما علم بخبر وفاته. وقد التقى حليم بنزار وسمع منه قصيدته الشهيرة عن عبد الناصر: "قتلناك يا آخر الأنبياء..

قتلناك وليس غريبًا علينا.. اغتيال الصحابة والأولياء.

فكم من إمام قتلنا..

وكم من رسول ذبحناه وهو يصلي العشاء"

وأعجب حليم بالقصيدة، وطلب تلحينها، وعندما قالها أمام أسرته رفضوا أن يغنيها، وقالوا له إن عبد الناصر زعيم وليس نبيًّا، وفشل المشروع بسبب عدم اقتناع أسرته بها دينيًّا.

وكثيرًا ما اضطر حليم إلى الاستئثار بأغانٍ وألحان كانت معدة لمطربين آخرين عندما تعجبه، ومن ذلك أغنية "تخونوه" التي كانت ليلى مراد تتأهب لغنائها، وقد طلب منها عبد الحليم أن يغني هو الأغنية، ووافقت بما عرف عنها من ذوق عال. وكان حليم يقلق كثيرًا كلما سمع هاني شاكر، ويومًا ما غضب الموجي من حليم فذهب بلحن "رسالة من تحت الماء" إلى هاني شاكر، الذي غناها بأداء جيد، وعندما علم حليم دعا طبيبه هشام عيسى للاتصال بالموجي ودعوته، ومارس عليه ضغوط الصداقة ليستعيد الأغنية.

ويتحدث المؤلف عن علاقات حليم برموز الفن والغناء، فيشير إلى الجفاء الذي كان بينه وبين فريد الأطرش، والذي انتهى بجلسة صلح دبرها جلال معوض، وبعدها كانا يسهران معًا، وكان فريد محبًّا للقمار والسهر رغم تكرر أزماتة القلبية.

أما كمال الطويل فقد ارتبط بعلاقة صداقة مع حليم رغم موقفه من النظام الناصري. وقد أقسم ألا يلحن أي أغنية بعد النكسة تمجد شخصًا ما؛ لذا فقد رفض أن يلحن أغنية "عاش اللي قال" بعد حرب أكتوبر. وأما عبد الوهاب فقد اقتنع بموهبة حليم، واستطاع بذكائه الاستفادة من نجاحه والمشاركة في تلحين بعض أغانيه.

الحرب مع أم كلثوم

على الجانب الآخر اتسمت علاقة المطرب الراحل بالسيدة أم كلثوم بالتوتر والغيرة. وكان مما يضايق حليم أن أم كلثوم تستأثر بحفلات الثورة وتبدأها، ويكمل من بعدها باقي المطربين. كما كانت عندما تُسأل عن أصوات الفنانين التي تثير إعجابها كانت تشير إلى قنديل أو محرم، ولا تذكر حليم.

وفي إحدى حفلات الثورة غنت أم كلثوم، وفي نهاية الحفل غنى عبد الحليم، وأمسك بالميكرفون وقال: أنا جعلوني أغني بعد أم كلثوم، ولا أدري إن كان هذا تكريمًا أم مقلبًا. واستشاطت أم كلثوم غضبًا وأخبرت عبد الناصر أنها لا تريد أحدًا معها في حفلات الثورة. وبالفعل خُصص يوم واحد لأم كلثوم ويوم آخر لباقي المطربين.

وفي يوم ما حاول حليم الذهاب إلى أم كلثوم بعد إحدى الحفلات، ورفضت مقابلته؛ مما أغضبه جدًّا وصمم أن يرد لها ما فعلته فيه. وبالفعل سنحت له الفرصة في حفل زواج ابنة السادات، حيث طلب حليم من السيدة جيهان أن يغني أولاً؛ نظرًا لمرضه حتى يتمكن من الاستئذان مبكرًا، وبدلاً من أن يغني فقرة واحدة غنى طويلاً، فلم تستطع أم كلثوم الغناء إلا بعد الثانية صباحًا. وقتها سأل حليم طبيبه هشام عيسى: إن كان ما فعله في سيدة الغناء أعجبه أم لا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر