الأربعاء، 28 أغسطس 2013

نجل جمال عبد الناصر يتحدث عن "أسرار" حياة عائلة الرئيس


تبين السيرة الشخصية للرئيس جمال عبد الناصر، انه قد واجه في وقت مبكر من عمره القصير إشكالية إجتماعية ـ سياسية أخفق فيها كثرة من قادة حركات التحرر الوطني والقومي في العالم، وهي تنزيه العلاقة بين القائد السياسي والعائلة عن مكاسب السلطة ومغانم الحكم. ويشير هذا الحوار اللطيف مع نجله الأصغر عبد الحكيم إلى أن القائد العربي الكبير، قد تمكن من حل هذه الإشكالية المعقدة، واستطاع تقديم نموذج "ناصري" عما ينبغي ان تكون عليه حياة عائلة الحاكم أو الرئيس العربي. وهذا النموذج الفعلي لحياة عبد الناصر وعائلته الذي أنزله في التاريخ منزلة الرئيس المحترم والنظيف والعادل، أثرى التجربة القومية العربية الرائدة التي تصدرها "أبو خالد" لعقدين من الزمان المجيد.

الطفولة فى البيت الرئاسى مختلفة بالقطع عن مثيلاتها فى بيوت البسطاء.. فما البال ببيت جمال عبدالناصر، كيف كانت طفولتك؟
أنا لم اكتشف أننى أعيش فى بيت رئاسى إلا بعد فترة من العمر، وأنا من مواليد 1955 وكان والدى حينذاك على رأس السلطة فى مصر ورئيساً للوزراء،ولم أستوعب اننى فى بيت رئاسى إلا عندما التحقت بالدراسة فى المرحلة الابتدائية وذلك فى مطلع عام 1960، والذى لاحظته أننى أعيش فى منزل فسيح قليلا وبه حديقه صغيرة.. وربما تكون تلك هى الميزة الوحيدة، لكن دعنى أقل لك ان حياتنا كأسرة كانت طبيعية جدا مثل حياة الأسر المصرية، وكانت حياتنا الدراسية طبيعية أيضا مثل زملائنا فى المدارس، ولعل جلسات أصدقائى وزملاءالدراسة الآن تكشف مدى البساطة التى كنا نعيش فيها مقارنة بأوضاع حالية فأصدقائى وزملائى كثيراً ما يقولون لى الآن نتندر على حياتكم البسيطة التى فرضها عليكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واستطيع القول اننا لم نتمتع بأى ميزة عن زملاء دراستى أو عن كل الذين عرفتهم سوى أننا أبناء جمال عبدالناصر.

تقصد أبناء الرئيس؟
أنا لا أحب أن أقول عن والدى أنه رئيس الجمهورية لأننى أعتقد أن جمال عبدالناصر كقيمة فاقت قيمة المواقع الرئاسية.

هل كانت هناك ضوابط على حركتكم أو محظورات لا يمكن أن تتجاوزها أنت وأشقاؤك كأبناء للرئيس؟
لم تكن هناك ضوابط أو محظورات، لكن الذى يمكن قوله أننا من أسرة متوسطة تربينا مثل غيرنا على العديد من القيم والعادات التى لا يمكن أن نتجاوزها. لكن أقول اننى كنت الابن الوحيد الذى يمكن أن يدخل الى أبيه عندما أشعرانه يقظ من نومه، كما كنت الابن الوحيد الذى يمكن أن يذهب الى أبيه فى مكتبه بالمنزل حتى لو كان معه بعض الضيوف، وكثيراً ما حدثت بعض الطرائف التى أضحكت والدى وضيوفه، فمثلاً عندما كنت أشاهد شخصا أجنبيا أطلق عليه أو أدعى انه هو «هاردي» وهو ممثل كوميدى فيضحك والدى وضيفه.

عبدالناصر الأب.. كيف كان يتعامل مع أولاده، وهل كان يخص الابن الأصغر بالتدليل شأنه فى ذلك شأن الجميع؟
بالطبع والدى كان يخصنى بنوع من التدليل باعتبارى الابن الأصغر، لكن فى نفس الوقت كان حازماً جداً رغم ما كان يعطيه لى ولأشقائى من حنان وكانت هناك خطوط حمراء لا يستطيع أحد من أبنائه الاقتراب منها.

مثال لذلك؟
ذات مرة ذهبنا الى العين السخنة فى إطار نشاط الرحلات بالمدرسة ونزلت مع زملائى فى بيت الشباب هناك ولم أتمتع طوال الرحلة بأدنى ميزة عن زملائي.

هناك رواية تقول أنك كنت دائما تذهب من وراء الأسرة وأنت طفل الى محل فول وطعمية شهير لتأتى ببعض السندويتشات ما صحة تلك الرواية؟
ليس من وراء الأسرة فى المنزل كانوا يعلمون أننى أعشق أكل الطعمية فكنت أذهب الى محل «نجف» لآتى ببعض السندويتشات بعلم الأسرة وأحياناً كان يأتى معى سائق وأحياناً كنت أذهب بمفردى ولا يعلم صاحب المحل من أنا وكنت أقف فى الطابور حتى يأتى دورى فى الشراء.

ابن الزعيم فى المدرسة كيف كانت تسير الحياة فى الفصل الدراسي.. وهل تعرضت لعقاب مثلاً من مدرس.. وماذا كان رد فعل الزعيم على ذلك؟
أولاً أنا لم أستطع فى ذلك الوقت أن أبلغ والدى عن أى عقاب تعرضت له خشية من أن أنال عقابا آخر من الوالد، ولكن حياتى الدراسية كانت تسير كزملائى فى الفصل فكثيراً ما تعرضت للعقاب وتم ضربى على يدى عندما كنت أرتكب خطأ ما.. وكان المدرس يشدد عندما نمنح شهادة الدرجات الشهرية بأن أطلع والدى عليها ويوقع بالعلم كزملائى فى الفصل.

كيف كانت الأسرة تلتقى بالرئيس وماذا كان يدور فى الجلسات العائلية؟
عادة كنا نجلس يوم الجمعة، وكنت أستيقظ من النوم وأترقب استيقاظ والدى وعندما أشعر انه قام من نومه أسرع أنا الى غرفته وأرتمى فى حضنه وأقبله.. ثم أذهب الى أشقائى لأخبرهم بأن الوالد استيقظ من نومه، ثم نتناول الإفطارمعا، ويجلس يستمع إلينا بحنان شديد رغم مشغولياته الكثيرة، ثم ننزل الى الحديقة وأحيانا كثيرة كنا نلعب كرة قدم وكان يشاركنا اللعب ويأتى بالكاميرا ليلتقط لنا بعض الصور التذكارية، وللعلم كان يشجع فينا الموهبة، فهو الذى شجعنا على حب هواية الطيران فكان يأتى لى ببعض الألعاب أبرزها الطائرات، وعلمنى السباحة.

كيف كانت علاقتك بالسيدة تحية.. وهل كانت تخصك بالتدليل؟
لا أستطيع أن أصف مدى قيمة تلك السيدة فكانت نعم الأم الحنونة التى كانت تهتم فقط بشئون منزلها وتربية أولادها. فقد خصصت حياتها لأبنائها وزوجها فقط. رغم انها كانت زوجة رجل تستطيع من خلاله فعل أى شيء وتنصب نفسها فوق أى شيء ليس فقط لأنها زوجة رئيس الجمهورية. لكن لأنها زوجة جمال عبدالناصر.
ودعنى أرو لك هذه الرواية فى عام 1980 أرسلت رئيسة وزراءالهند أنديرا غاندى دعوة لوالدتى لزيارة الهند وكان الرئيس السادات مازال حيا. وقد استقبلت غاندى والدتى استقبال الرؤساء وفى ذلك الوقت هرب سفير مصر فى الهند من استقبال والدتى وأخذ اجازة عندما علم ان زوجة عبدالناصر ستأتى الى زيارة الهند، وكان وقتها الدكتور مصطفى الفقى نائباً للسفير ويرتبط بنا بعلاقة خاصة فذهب لاستقبالها ايضا وفوجئ «الفقي» بكم الاتصالات من السفراء العرب يطلبون من الدكتور الفقى ضرورة إقامة مأدبة غداء أوعشاء، لتكريم حرم الرئيس عبدالناصر، رغم ان تلك الدول العربية كان معظمها يقاطع مصر بسبب اتفاقية كامب ديفيد.
ودعنى أقل لك إن والدتى هى أول من علمنى القراءة والكتابة كأى أم مصرية متعلمة ترغب فى تربية وتعليم أبنائها.

ما هى أصعب اللحظات التى مرت على البيت الرئاسي؟
يوم 9 يونيو 1967 الذى أعلن الرئيس عبدالناصر فيه التنحى، قبل إعلان البيان كانت هناك حالة حزن شديدة وأجواء مشحونة فى البيت بسبب الهزيمة وعلمنا أن الوالد سيلقى بيانا على الأمة جلسنا كأفراد أسرته نستمع الى البيان كغيرنا من المصريين، كان عمرى آنذاك 12 عاما، وأول ما قال فى البيان كلمة التنحى اندهشت شقيقتى هدى وقالت كيف..؟ والوالدة لم تبد أى تعليق فقط قالت لنا إن والدى أعطى الكثير ويريد أن يرتاح، ولم تمض دقائق وجاء والدى واستقبلته والدتى على السلالم وبدأنا نلملم فى متعلقاتنا تمهيدا لترك المنزل وسرعان ما تحول البيت الى سرادق كبير حوى زملاء والدى فى الحكم وأول واحد شفته شعراوى جمعة قال لوالدى ما ينفعش ياريس اللى بتعمله «البلد هتولع» وأحاطت جماهير غفيرة المنزل تطالب الوالد بالعدول عن التنحى وأتذكر هتافا لتلك الجماهير حتى الآن «عبد الناصر يا حبيبنا مشهيهون عليك تسيبنا» وجاء بعد شعراوى جمعة السيد محمد فايق وملابسه كانت ممزقة، عرفت عندها ان الجماهير حاولت الاعتداء عليه وكانت تعتقد انه زكريا محيى الدين وذلك لأوجه الشبه بينهما، وبعد قليل اتصل الملك حسين به على التليفون فقال له الرئيس أنا الآن تنحيت عن الحكم وللعلم مر علينا عام 1967 بصعوبة شديدة. الى أن أعادت عمليات حرب الاستنزاف الحياة أو البسمة مرة أخرى فى البيت..
وأتذكر ذات مرة وفى إحدى العمليات فى حربالاستنزاف وعندما وصلت الى المنزل وأردت الدخول الى غرفة مكتب الوالد، منعتنى والدتى وقالت لى والدك عنده شغل ومتضايق شوية، وبعد دقائق خرج علينا والابتسامة تكسو وجهه ومسرورا للغاية فابتسمت له الوالدة وسألته إيه الحكاية، فقال الوالد الحمد لله «عاد الطيار» وعرفنا منه بعد ذلك ان أحدالطيارين بعد أن نفذ عمليته ضربت طائرته لكنه استطاع أن يعوم فى البحر الى أن عاد، وهو ما يؤكد أن الوالد كان يتابع عمليات حرب الاستنزاف بنفسه ويطمئن على سلامة المقاتلين.

وسائل الترفيه بالنسبة لأبناء الرئيس،هل كان مسموحاً بالأصدقاء وما نوعياتهم، وهل كان يسمح بالخروج للنزهة مثلا، وهل كانت تتم ترتيبات لذلك؟
أصدقائى معظمهم كانوا زملائى فى مدرسة القومية المشتركة وهم من أبناء الطبقة المتوسطة والبعض من أسرالضباط الأحرار، وجميعهم كانوا يأتون الى المنزل خاصة فى عيد ميلادى ويلتقطون صورا مع الوالدة، وكان دائماً يسمح لنا بالنزهة مع الاصدقاء،وكان يقول لنا أنتم عندكم سينما فى البيت «ليه» تذهبوا الى سينما «مترو» فكان الوالد لا يمانع اطلاقاً من أن نخرج للنزهة مع أصدقائنا، وللعلم كان شقيقى الدكتور خالد لاعب فى فريق «كرة الطائرة» بنادى هليوبوليس وكان يذهب للتدريب بشكل «عادى جدا».

عندما توفى الرئيس كنت فى الثانوية العامة.. ما الذى شاهدته فى هذا اليوم؟
قبل الوفاة بـ 15 يوما نصحه الأطباء بالابتعاد عن زحمة العمل ونصحوه بالذهاب الى مرسى مطروح فذهبت أنا والوالدة مع الوالد وبقى عبدالحميد لأنه كان فى الكلية البحرية وخالد كان يستعد لاستقبال العام الدراسى، وسافرمعنا السيد حسين الشافعى رحمة الله عليه ونجله أحمد والفريق محمد فوزى وكان معى هشام نجل السيد سامى شرف باعتباره صديقى، وبعدها بيومين علم العقيد القذافى أن والدى فى مطروح جاء وأمضى معنا يوما وسافر وفى اليوم التالى بدأت أحداث أيلول الأسود، فقطع الوالد الرحلة وعدنا الى الاسكندرية ومنها الى القاهرة، وكان الرئيس كلف السيد سامى شرف بدعوة الرؤساء والملوك العرب لعقد قمة فى القاهرة وكان سامى شرف يطلع والدى من خلال اتصالاته ونحن فى الطريق الى القاهرة بالموقف وقبل أن نصل الى القاهرة اطمأن الوالدان الرؤساء والملوك وافقوا على القمة وفى اليوم الثانى بدأت الوفود تصل الى القاهرة، وتركنا الوالد وذهب الى فندق «النيل هيلتون» للإقامة هناك استعداداً للقمة ولاستقبال الضيوف وظل هناك لمدة أسبوع وعاد الى المنزل يوم 27 أيلول وكانت الدراسة بدأت يوم 26، وثانى يوم بعدما رجعت من المدرسة سألت عن الوالد فقالوا لى، الوالد وصل ونايم «شوية» وبعد دقائق علمت انه استيقظ من النوم، فدخلت الى غرفته وجدته يرتدى ملابسه فسألنى إيه الأخبار يا عبدالحكيم.. أخبار الثانوية العامة إيه أنت لازم تتجدعن لأن نتيجة الثانوية العامة مهمة وسيترتب عليها مستقبلك العلمى، وهو كان يعلم ان لدى ميولا هندسية، فوجدته يقول لى إن كلية هندسة دى عايزة مجموع فقلت له انشاء الله سأكون عند حسن ظنك، وبعد ذلك ذهب الى المطار وكانت الوالدة تحضرالغداء فى انتظار عودته، وبالفعل جاء الى المنزل ولاحظت عليه الارهاق الشديد، ثم دخل الى غرفته وذهبت والدتى معه ولم تمض لحظات وجاء السيد حسين الشافعى وبعض زملاء الرئيس وطبيب الرئيس فدخلت عليهم فوجدت الطبيب يجرى عملية تنشيط للقلب وللتنفس، لحظات قليلة وسمعت صراخ أخواتى، عرفت أن الكارثة قد حصلت وانه فارق الحياة.

قلت ذات مرة ان الرئيس مات بصورة غير طبيعية فما الذى تقصده من ذلك؟
ليس هذا بالضبط، لكن الأحداث التى شاهدتها تشير الى أن والدى لم يمت بصورة طبيعية، رغم ان الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، لكن أنا لم الاحظ أخطارأمراض على والدى وهو توفى وعمره 52 عاما، وأنا لم أشعر يوما انه مريض أو يعانى من مرض، كما ان الشواهد تؤكد ان وفاة والدى لم تكن طبيعية وخاصة منذهزيمة 1967 التى أعتبر انها كانت تستهدف جمال عبدالناصر والقضاء عليه وانهاء مشروعه النهضوى العروبي.

لكن البعض أخذ على فترة حكم عبدالناصر هزيمة يونيو؟
ربما تكون إسرائيل حققت نصراً عسكريا باحتلالها سيناء لكنها فشلت فى تحقيق أهدافها السياسية المتمثلة فى القضاء على عبدالناصر، فقد عاش عبدالناصر بعد النكسة وجسد فى السنوات القليلة بعدها صمود الشعب المصرى والعربى فى الأخذ بالثأر من الكيان الصهيونى والاستعداد لمعركة استرداد الأرض، وقد استمد عبدالناصر عزيمته بعد النكسة من التفاف الشعب العربى حوله، ولعلك تتذكر بعد حرب يونيو بثلاثة أشهر ذهب عبدالناصر الى قمة الخرطوم ولك أن تتصور حجم الجماهير التى ذهبت لاستقباله، رغم ما كان يحاك للرئيس فى هذه الزيارة وهذا الاستقبال أذهل العالم، ولعل توقيت وفاة عبدالناصر يثير الكثير من الشك حول طبيعة الوفاة، فكانت مصر انتهت من بناء حائط الصواريخ ودخلت المرحلة النهائية لمعركة استرداد الأرض. وبعد هذه السنوات بعد وفاة الوالد ظهر هناك من كان له أطماع ومن كان يعمل لحساب جهات أخري..

توفى الرئيس وكنت فى الثانوية العامة.. الى أين اتجهت للدراسة بعد الثانوية؟
كما قلت أنا كانت لدى ميول هندسية والحمد لله بعد الثانوية التحقت بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وكان لدى شعور بأن العمل الهندسى هو الأبقى كثيرا فى العلوم والأكثر تأثيراً فى الحياة العملية والانتاجية لهذا قد اتجهت الى دراسة الهندسة، وعائد العمل الهندسى تشعر معه بأن هناك مجهودا قد بذل.

من الذى سأل عن أسرة عبدالناصر بعد وفاته؟
بعد الوفاة مباشرة لا يمكن أن أنسى السيد سامى شرف فكان دائم السؤال حتى 15 مايو حين اعتقله الرئيس السادات وكذلك بعد خروجه.

كيف كانت العلاقة بين الأسرة والرئيس السادات؟
على المستوى الشخصى كان «جمال» نجل الرئيس السادات صديقى، وبعد الوفاة كان يسأل علينا فى الفترة الأولى، كان يزورنا فى الأعياد حتى عام 1973 وأتذكرآخر زيارة له يوم عيد بعد حرب 1973، وبعد حملة الهجوم على الرئيس عبدالناصر دخلت العلاقة فى مرحلة الفتور.. وكانت الوالدة دائما تسأل نفسها.. لماذا كل هذه الحملة على شخص عبدالناصر.. التى كانت تستهدف اغتيال شخصية الوالد ومن ثم قررت الوالدة مقاطعته.

هل اكتفت الأسرة بذلك.. أم ماذا فعلت؟
نحن كنا ندرك أن هذه الحملة فى اطار مخطط لتشويه صورة الوالد، إلا أن شقيقى الدكتور خالد ذهب لمقابلة الرئيس السادات ليستفسر منه عن هذه الحملة، فقال له السادات أنا لا أستطيع أن أقف فى وجه الصحافة أو تقييدها.. فأدركنا أن رد السادات لن يخرج عن كونه مبررا للاستمرار فى الحملة، وقررنا ألا نلتفت الى مثل هذه الادعاءات خاصة بعدما لاحظنا ان هناك من يسعى لكشف حقيقة الحملة والرد عليها من خلال ما أنجزه عبدالناصر لشعبه ولأمته العربية.

وكيف كانت العلاقة بين الأسرة والزعماء العرب وغيرهم. هل كانت هناك اتصالات وبخاصة مع المقربين من الرئيس؟
أكثر زعيم عربى امتدت علاقته بالأسرة من بعد رحيل الوالد كان الرئيس معمرالقذافى الذى كلما كان يأتى الى القاهرة كان لابد من زيارتنا، وأتذكر له واقعة شهيرة أنه فى 28 سبتمبر عام 1973 فى ذكرى وفاة الرئيس جاء لزيارة مصر وكنا فى ذلك الوقت تصادف شهر رمضان، فتناول معنا إفطار رمضان وغادرالقاهرة من دون أن يقابل أى مسئول فى مصر، وهناك بعض الحكام لم أكن قد تعرفت عليهم أثناء حياة الوالد، وتعرفت عليهم فيما بعد مثل سمو الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة الذى تعرفت عليه فى سبعينيات القرن الماضى، تلمست فيه المروءة والنخوة العربية، ويكفى أننى علمت فيما بعد أنه أثناءالعدوان الصهيونى عام 1967 وأثناء فترة دراسته فى القاهرة رفض مغادرة البلاد، وأعلن تطوعه فى الحرب، وأتذكر أيضا ان السيدة أنديرا غاندى كانت دائمة الاتصال بالوالدة وكذلك السيدة أم كلثوم التى كانت بمثابة «الخالة» بالنسبة لنا جميعا، وكذلك الرئيس «تيتو» والذى أتذكر أنه أثناء زيارته لمصر بعد وفاة الوالد أصرت زوجته على دعوة والدتى لحضور حفل عشاء فى سفارة يوغسلافيا بالقاهرة، كما دعانا الى زيارة يوغسلافيا فى عام 1972 وذهبت مع والدتى واستضافنا هناك فى مقر الضيافة الذى كان ينزل فيه الوالد.

بم تفسر حالة الهجوم على الرئيس عبدالناصر وماذا كانت تستهدف؟
حملة الهجوم بدأت بإيعاز من نظام الحكم فى مصر وبدأها توفيق الحكيم فى كتابه «عودة الوعي» بعد أن رحل الأستاذ محمد حسنين هيكل عن الأهرام وجاء مصطفى أمين الذى ثبت تورطه فى أعمال لصالح جهات أجنبية تستهدف اغتيال شخصية الوالد، وتفسيرى لهذه الحملة يعود الى تفسيرات سابقة كانت تقول ان عبدالناصر رجل فى قلب أمة واكتشفوا بعد رحيله ان الأمة فى قلبها الرجل بمعنى أن هؤلاء الذين هاجموا أو يهاجمون عبدالناصر أرادوا محو عبدالناصر من ذاكرة الأمة فاكتشفوا أنهم فشلوا فيما بعد وأن قلب الأمة يسكنه عبدالناصر وأن ما يمثله من أفكار وأحلام وتطلعات مازال عالقا فى ذاكرة الأمة. وأن أقواله مازالت تحرص على ترديدها الجماهير منها «إذا فرض علينا القتال وهو كره لنا فلن نستسلم» وهو ما لا يريده الاعداء، واستطيع القول ان ما كان يطرحه عبدالناصر كان تجسيداً لإرادة الشعب.
وهنا أتذكرواقعة عندما قابلت شخصا وعرف اننى ابن جمال عبدالناصر روى لى أنه كان انسانا طبيعيا عادياً ليس له علاقة بالسياسة وعندما حضر لصلاة الجمعة فى الأزهر عام 1956 مصادفة والتى اعتلى فيها الرئيس منبر الأزهر ليخطب فى الأمة عن العدوان والحرب، فقال لى إن هذا الخطاب غير مسار حياتى وتحولت من انسان عادى الى شخص يهتم بشئون بلده وعقب الصلاة ذهبت الى التطوع والانضمام الى الفدائيين.
ودعنى أقل إن الذين حاولوا اغتيال شخصيةعبدالناصر أصبحوا فى «مزبلة التاريخ» وظل الوالد رمزا للكرامة والعزة الوطنية وانجازاته شامخة والحمد لله أنه قبل أن يرحل أعلن فى 23 يوليو من عام 1970 عن الانتهاء من بناء السد العالى الذى يعد مفخرة وانجازاً عالمياً وملحمة وطنية حتى لا يسرقه من أتوا بعده.

هل الأمة العربية فى ظل ظرفها الراهن بحاجة الى جمال عبدالناصر؟
قيمة عبدالناصر انه استطاع وباقتدار أن يعبر عن طموحات شعوب الأمة العربية، ودعنى أتذكر واقعة بسيطة «السفينة كيلوباترا» التى امتنع عمال الشحن فى نيويورك من تفريغها بضغوط من اللوبى الصهيونى وعدم التعامل معها بخطاب من جانب عبدالناصر امتنعت كافة الموانئ العربية عن التعامل مع السفن الأمريكية واضطر الرئيس «كيندي» إلى حث المارينز على تفريغها وأرسل خطاب اعتذار الى الرئيس عبدالناصر وهنا لابد من أن تتخلص الشعوب من الذين يمكثون على أنفاسهم وأن يتجهوا نحو فكرة القومية العربية.

لماذا انسحب أبناء الرئيس عبدالناصر من الحياة السياسية؟
أبناء عبدالناصر لم ينخرطوا فى العمل السياسى حتى ينسحبوا، لكن نحن كغيرنا من المصريين يهتمون بالشأن العام وأعمالنا الخاصة، ودعنى اختلف مع أمنيات الكثيرين بشأن ضرورة انخراطنا فى العمل السياسى، أنا أعتقد أن العمل السياسى ليس مرتبطا بالچينات أى لا يورث، ودعنى أتساءل ما هى الميزة التى يمكن أن اكتسبها اذا أصبحت فى موقع القيادة السياسية فى أى اتجاه، وأعتقدأن هناك جيلا استفاد من ثورة 23 يوليو ومازال من بينهم من يؤمن بمبادئها وهؤلاء لهم تقدير فى نفسى كونى ممن يؤمنون بهذه الأفكار وليس لأننى ابن عبدالناصر فقط وهؤلاء عليهم دور أقدره فى توعية الشعب وأنا أكن كل تقديرللحزب العربى الديمقراطى الناصرى وكذلك حزب الكرامة وسائر الفصائل التى تؤمن بالثورة والناصرية والذين يؤمنون بمشروع جمال عبدالناصر القائم على العدالة والكفاية وتحالف قوى الشعب العامل، وتصدرى لقيادة أى حزب ناصرى سيكون عودة لفكرة الچينات، وتقييمى السياسى على أننى ابن عبدالناصر أمرمرفوض تماما.

اذا جرت فى الأمور أمور وسمح الدستور لجميع المصريين بالترشح لمنصب الرئاسة.. هل تفكر فى هذا الأمر، ولماذا؟
اطلاقا أنا لا أفكر فى هذا الأمر، وأنا عشت تجربة المنزل الرئاسى ولا أريد العودة له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر