الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

الخلاف التاريخى بين انيس منصورو محمد حسنين هيكل.




إن المقصود بالتاريخى  هنا هي الحقبة الزمنية منذ بداية العهد الناصري وحتى عهدنا الحالي، ولقد اطلعت على كتابين عن هذه الحقبة الزمنية المذكورة الكتاب الأول "خريف الغضب" لمحمد حسنين هيكل والكتاب الثاني "من أوراق السادات" لأنيس منصور، وكم أتمنى الآن أن يتبنى وزير الإعلام أو وزير الثقافة إقامة ندوة بين هذين الكاتبين، ليقوم كلاً منهما بمناقشة الآخر على أن يدير هذه الندوة محاور وسياسي وأديب على نفس مستوى الكاتبين، وأذكر أن التلفاز المصري في بداية عهده قد قام بتسجيل حلقات أدبية مع كبار الأدباء والثقافة في مصر كطه حسين والعقاد فليت التلفاز يكرر نفس النهج لنشر الوعي والملكة البحثية لدى عقول المصريين بدلاً من استضافة سفهاء عقول تحت مسميات النجوم ليحددوا مصير ومنهج التلقي عند الشعب المصري، إننا في حاجة إلى استضافة فقهاء كبار راسخين في العلم كما أننا في حاجة إلى استضافة أدباء كبار يجمعون بين الأصالة والمعاصرة كما أننا في حاجة إلى استضافة كبار رجال القوات المسلحة ليجددوا الحمية والثقة في نفوس المصريين من خلال عرض أبحاث وأدبيات عسكرية عن فعاليات القوات المسلحة منذ حرب الاستنزاف وحتى الآن، إننا في حاجة إلى استضافة كبار رجال الأعمال الذين بدأوا من الصغر يجمعون بين النجاح الاستثماري والنجاح الاجتماعي، أو بمعنى آخر مجمل نحن في حاجة إلى تزيين وتجميل الخطاب الإعلامي تزيناً حقيقياً وليس مزيفاً أو مسطَّحاً، إنني في هذه المقالة أتمنى أن يوزع كتاب أنيس منصور "من أوراق السادات" على القيادات المزعومة للجماعات الدينية كمحمد إسماعيل المقدم شيخ المدرسة السلفية المزعومة بالإسكندرية الذي وصف الرئيس السادات قائلاً "أنور يهود" ويُعطى كذلك لفقيه التكفير بالمدرسة السلفية المزعومة بالإسكندرية ياسر برهامي الذي يزعم بالصوت والصورة أن مصر دولة غير إسلامية، كما يُعطى الكتاب للشيخ عمر عبد الرحمن مفتي جماعة الجهاد ليُسأل بعدها هل فتوى تكفير السادات فتوى صائبة وكيف يقابل ربه بهذه الفتوى؟ كما يُعطى للمرشد القطبي الجديد للفرقة المزعومة الإخوان المسلمين، كم أتمنى أو أتخيل أن يتجرأ إعلامي فيستضيف بعض الذين كانوا أعضاءً في التنظيم الإجرامي الذي قتل السادات - رحمه الله -على أن تكون هذه الاستضافة بعد قراءتهم لكتاب "من أوراق السادات" وكم أتمنى أن يوجه سؤالاً معيناً لهؤلاء هل مثل هذا الرجل (السادات) كان عميلاً للغرب يستحق القتل كما كانوا يزعمون ويروجون؟

إن المطالع للكلام المذكور في كتاب "من أوراق السادات" يخرج بنتيجة أننا لا نحسن استغلال واستثمار ما بين أيدينا من انجازات، ويبدو أن هناك أصابع خفية تتحرك في كافة مؤسسات الدولة لترسيخ قيم ومفاهيم تُخْرِج الناس من انتماءاتهم الدينية والوطنية، إنها أصابع خفية ترمي إلى تسطيح الشخصية المصرية وتسفيهها بحيث تكون عاجزة عن إدراك واقعها وعاجزة عن تصحيحه فتكون النتيجة شعب بلا هوية وبلا انتماء وبلا كبير فيحيطه الاكتئاب ويلازمه الإحباط وشعب بهذه الصفات من السهل القضاء عليه وتوجيهه وفق أهواء من يتحركون خفية تارة وعلناً تارات أخرى، إذ كيف يُفسَّر ما بين أيدينا من كلام مدون ومسند نشره الكاتب أنيس منصور وهو كلام واقعي وعقلاني تتلقفه الفطر السليمة والعقول النيرة ولا يأخذ حقه في الانتشار والترويج للرد على المشككين الذين شحنوا العقول بالشعوذة السياسية والشعوذة الدينية؟ وفي الوقت نفسه ينشر محمد حسنين هيكل كلامه المشكك والمثبط في مساحات كبيرة فضائياً وإعلامياً، مع أن كلام أنيس منصور في صالح الدولة والنظام وهو الأقرب للصواب فلماذا لا تتلقفه وزارتا الإعلام والثقافة بالتوزيع والإعلان؟ كان من الأولى لوزارة الثقافة أن تتبنى هذا الكتاب فتقوم بطبعه وتوزعه على قصور الثقافة بدلاً من الكتب أو القصص التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كان الأولى بوزارة الإعلام أن تُصَدِّر كاتباً مثل أنيس منصور ليفصح أكثر عمَّا لديه من حقائق تاريخية يدفع بها شغب المشككين، وأعتقد أن هناك عناصر أخرى غير أنيس منصور تستطيع أن تسلك نفس السبيل لو تبنت وزارة الإعلام هذه العناصر، فما أحوجنا لخطاب إعلامي جديد فيه من الجدية والقوة والوعي والاستيعاب والنضج ما يجعلنا في موقف المبادر وليس في موقف المدافع، ولعل القارئ يسأل عن قيمة هذا الكتاب المذكور وأهم ما فيه؟ والإجابة المختصرة دون استيعاب شامل لموضوع الكتاب ألخصها في عبارات تبين أن الحاكم لديه من المعلومات والحقائق ما يخفى على كثير من الناس وبالتالي يتخذ قرارات وفق المعلومات والحقائق التي لديه ويراها كثير من الناس غير صائبة، فاقتضت حكمة الحاكم أن يصبر ويكظم غيظه لأنه لا يستطيع أن يعلن كل ما لديه من معلومات، وبالتالي على الناس أن يفهموا أنه لا يجب على الحاكم أن يعلن كل شئ في علاقاته السياسية والعسكرية، فالمصالح متعددة ومتناقضة ومتباينة ومتعارضة وحكمة الحاكم هنا تظهر في التعامل مع هذه المتناقضات بالحكمة التي تحقق أفضل النتائج وأقل المفاسد، وهذه قاعدة شرعية قبل أن تكون قاعدة سياسية يسلكها كافة الساسة على اختلاف انتماءاتهم، فقد جاء في الكتاب "من أوراق السادات" أن الرئيس عبد الناصر وجد عنتاً بعد هزيمة 1967م من الاتحاد السوفيتي وكانت الغلبة للطيران اليهودي وكانت سماء مصر مفتوحة للاعتداء على أي مكان فيها، فطلب عبد الناصر أن يقوم الاتحاد السوفيتي بمهام الدفاع عن السماء المصرية من الضربات اليهودية، فكيف يفهم الناس مثل هذا الموقف على اختلاف تكوينهم الفكري والعقلي والديني؟ إن وجود قوات روسية ملحدة على الأرض المصرية عمالة شيوعية في نظر غالبية الاتجاهات الدينية المتحزبة بل قد يعتبرها كثير منهم كفر وردِّة في حق من استقدمهم، فهم يخلطون بين عقيدة الإلحاد وبين الواقع الملح الاضطراري ولا يفرقون بين الأمرين، فالنظام المصري في هذا الوقت بين مفسدتين وجود قوات روسية محدودة بمهام معينة - وليست جماعات شيوعية فكرية تنشر عقيدتها بين الموحدين - وبين مفسدة ضرب الطيران اليهودي المدنيين في مصر في هذا الوقت، فما المخرج الشرعي؟ وما المخرج العقلي لهذا الموقف؟ إن الشرع قد أعطى للحاكم المسلم مساحات كبيرة ليتعامل مع الواقع في كل حالاته الاضطرارية والعادية والعقل يؤيد هذا المنطق طالما أنه لا يتعارض مع نص صريح في القرآن وفي صحيح السنَّة، فالمحافظة على أرواح المصريين أوجب وأولى وطالما أنها لا تتحقق بالسرعة المطلوبة إلا بالاستعانة بالقوات الروسية فلا مانع حتى تُزال الأسباب وتتغير الأحوال، إن غالبية الجماعات الدينية يغيب عنها مثل هذا الفقه الدقيق فيتدخلون فيما لا يعنيهم فيفتون بغير علم ولا هدى، وفي الوقت نفسه هناك قصور فقهي على المستوى العام لا يبسط مثل هذه المعلومات للناس من الناحية الشرعية وبالتالي نأمن شرور الفتاوى التكفيرية، وأرى من المناسب أن أنقل كلامًا بنصه قاله الرئيس السادات - رحمه الله - وذلك في ص20 من الكتاب المذكور:


"وفي ذلك الوقت كانت ثقافتي عادية جدًا، لم أقرأ الكتب الشيوعية ولا الماركسية، ومن المعاني العميقة في نفسي وفي نفس كل مصري أن الشيوعية إلحاد وكفر وأنهم أناس فوضويون، لا قيم عندهم ولا يهمهم دين وأنا ككل مواطن قروي يرى أن المساس بالدين شئ فظيع. وإذا كان الإنسان بلا دين فكل شئ عنده مباح ومعنى ذلك ضياع كل ما هو إنساني وإهدار كل ما هو عظيم وعدل وجمال وحرية وإنسانية. فأنا بطبعي الريفي المؤمن أرفض ذلك ومن أول لحظة .... ثم يذكر السادات موقفاً زعزع إيمانه بالشيوعية فترتب عليه قوله: "وشددت تمسكي بديني وقيمي الأخلاقية" أ.هـ

إن كلام السادات السابق كان في وقت استثنائي أي في حالة هزيمة عسكرية واستعداد لحرب ثم كانت الحرب وانتصر الجيش المصري بفضل الله ثم بقيادته السياسية وقياداته العسكرية، فهل من كان هذا حاله يُكفَّر ويستباح دمه ويُنعت بـ"أنور يهود" إنه الفكر المُضَلَّل والمُضَلِّل فكيف يترك يعبث بعقول الشباب بلا رد وبلا ردع؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر