الجمعة، 20 سبتمبر 2013

زينات صدقى عبقرية فنية من أروع رائدات الكوميديا في السينما المصرية


ولدت زينات في حي الجمرك بالإسكندرية العام 1913، أسرتها المتواضعة والحي الشعبي الذي عاشت فيه... ساهما في بناء ملامح شخصيتها الإنسانية والفنية. التحقت في طفولتها بالمدرسة الابتدائية، وتتباين المعلومات حول سنوات التحاقها بالدراسة، يقال إنها حصلت على الشهادة الابتدائية... في حين يؤكد آخرون أنها أمضت سنتين فقط داخل المدرسة، ثم قرر والدها إلغاء تعليمها وإبقائها في المنزل حتى يأتي «ابن الحلال». كانت زينات صدقي... جميلة الجميلات، قوامها ممشوق وعيناها خضراوان ما دفع العرسان للتهافت على طلب يدها وتزوجت لأول مرة عندما كانت في الـ 15 من عمرها طبيبا من أقاربها، عاشت معه نحو 11 شهرا وانفصلا من دون أن تنجب منه. قبل أن تصل للسابعة عشرة من عمرها... اضطرت لمواجهة الحياة بمفردها... فغنت في ملاهي الإسكندرية، حيث كانت في طفولتها تهوى الغناء وتردد ما تسمعه من اسطوانات مشاهير المطربين في عصرها، واختارت دخول عالم المطربين من خلال العمل «منولوجست»، ثم قررت الانتقال للقاهرة للبحث عن فرصة عمل أفضل. اسمها الحقيقي كما تقدم «زينب »، ولكن نجيب الريحاني اقترح تغييره إلى زينات واختارت هي اسم صدقي، فكانت لها صديقة اسمها خيرية صدقي، عاشت معها سنوات الهواية والعمل في الملاهي، وشاركتها التمثيل في المسرح، وكانت مرتبطة بها تماما. واستعارت اسم والدها تأكيدا لارتباطهما.


وكانت خيرية وراء الزيجة الثانية لزينات صدقي، عندما كانت في زيارة لأحد أقاربها الذي يعمل في مسرح الريحاني، وهو الملحن إبراهيم فوزي أحد رواد تلحين الأوبريتات الغنائية، إلا أن حياته الزوجية مع زينات كانت قصيرة... أما زيجتها الثالثة فكانت من ضابط في الجيش وانتهت أيضا بعد فترة قصيرة. عندما جاءت إلى القاهرة لأول مرة في حياتها... عملت مضيفة في كازينو بديعة مصابني، كانت تريد مواصلة مشوارها كمطربة، إلا أن بديعة اختارت لها الرقص إلى جانب تحية كاريوكا وسامية جمال، ولم تجد أمامها سوى الموافقة... وعندما حانت أول فرصة عمل مناسبة... قررت الغاء الرقص من قاموس حياتها الفنية. ولم تؤكد أو تنف بداية عملها بالتمثيل... ربما لأنها لا تريد تكذيب الرواية التي تشير إلى أن نجيب الريحاني أول من اكتشفها وقدمها فنيا، عندما شاهدها بالصدفة في كواليس مسرحه وسألها «تشتغلي ممثلة يا شاطرة»، إلا أن الرواية تبدو غير دقيقة ما يؤكد احتمال أن تكون الرواية الأخرى أقرب للحقيقة.

شاركت مع صديقتها خيرية في فرقة أمين عطا الله وسافرت معها لتقديم مسرحيات في منطقة الشام، وذات ليلة ارتجلت حوارا كوميديا فوق المسرح، حوّل المشهد المأسوي إلى كوميديا صاخبة دفعت أمين عطا الله لفصلها من فرقته. أما نجيب الريحاني... فكان أول من صنع لها شخصيتها الفنية التي فتحت أمامها الطريق إلى قلوب الناس، شخصية الخادمة أو بنت البلد الشعبية التي فاتها قطار الزواج، ولعبت الصدفة دورا كبيرا في اكتشاف الريحاني لها. ذات ليلة اعتذرت ماري منيب عن أداء دورها في فرقة الريحاني لمرضها، ولم يجد أمامه لإنقاذ الموقف سوى الاستعانة بالوجه الجديد زينات صدقي، لكنها فاجأت الجميع بأداء كوميدي مبهر، دفعت الريحاني أن يطلب من بديع خيري كتابة دور خاص لزينات صدقي في المسرحية.

فتحت السينما أبوابها لزينات صدقي بعد أن ظهرت في فيلم «بسلامته عاوز يتجوز»، ولأن الريحاني ومعه بديع خيري ساهما في اكتشاف وتفجير طاقة الكوميديا والحيوية والتألق لزينات صدقي، ظلت مرتبطة بفرقة الريحاني. كانت تعمل في فترة اجازة الفرقة التي تستمر سنويا «4» أشهر مع يوسف وهبي، إلا أن فرقة الريحاني كانت تحتل المرتبة الأولى في حياتها الفنية، إلى أن توفي نجيب الريحاني في العام 1949. وتوقفت عن العمل في المسرح حتى العام 1954. 

عندما كون إسماعيل ياسين وأبوالسعود الابياري فرقة مسرحية، ظلت إحدى نجومها وقدمت معهما 6 مسرحيات، قبل اعتزال المسرح تماما العام 1960. نجمة لربع قرن نحو 26 عاما ظلت خلالها زينات صدقي إحدى نجمات المسرح الكوميدي، بداية من العام 1935 عندما قدمها الريحاني لأول مرة... ولا يوجد بيان دقيق يحدد عدد ما قدمته من عروض وأدوار، ولسوء الحظ لم يكن التسجيل التلفزيوني موجودا، ولا يوجد توثيق لهذا التراث الفني لزينات صدقي وغيرها من نجوم الحقبة الذهبية للمسرح المصري سوى بعض قصاصات الصحف والمجلات الصادرة في هذه الفترة. إفيهات خاصة «أمرك يا سبعي يا جملي يا مستبد يا سادس عشر نوم العوافي يا عريس متعافي يا أسطى في المزيكا... بهذه الكلمات وغيرها... اشتهرت زينات صدقي، ولابد أن أغلب مشاهدي الأفلام القديمة يحفظون لزينات صدقي ألفاظا وعبارات وطريقة أداء واشكال واكسسوارات وملابس تفردت بها، لدرجة يستحيل معها أن تجد ممثلة أخرى يمكن أن تنافسها في أداء أدوارها بنفس القدر من خفة الظل وسرعة البديهة وبساطة وتلقائية، الاحساس والأداء، 

وتعتبر أفضل من قدم شخصية بنت البلد المرحة سليطة اللسان، الشهمة، صديقة بطلة الفيلم التي تتحول إلى أحد المفاتيح المهمة لحل أزمة البناء الدرامي للسيناريو. الغريب أن زينات صاحبة الحيوية وتدفق التعبير الصوتي كما تظهر أمام الكاميرا، كانت خجولة في حياتها الشخصية. رصيدها السينمائي 158 فيلما، أولها فيلم «الاتهام» 1934 ثم فيلم «بسلامته عايز يتجوز» 1936، وتتابعت أدوارها المهمة في أفلام تمثل تراث السينما المصرية مثل: عفريتة هانم 1949، ودهب 1953، وابن حميدو 1957، معبودة الجماهير 1967، السيرك 1968، السراب 1970، وآخر أفلامها «بنت اسمها محمود» 1975 صورته قبل وفاتها بـ «3» أعوام إلى جانب سلسلة أفلامها مع إسماعيل ياسين... حيث شكلت معه ومع عبد السلام النابلسي ثلاثيا كوميديا يستحيل نسيانه. كان الحضور الفني لزينات... يدفع منتجي السينما للتسابق لاختيارها في أدوار داخل أفلامهم... وكان أنور وجدي يحرص على الاستعانة بها، في أفلامه حتى لو في مشهد واحد. 

عبقرية فنية أدركت زينات مناطق تميزها الفني، فتعلمت كيف توظف ما اختزنته في الذاكرة من سلوكيات وأنماط الحياة والتعامل اليومي بين سكان المنطقة الشعبية بحي الجمرك بالإسكندرية، وما شاهدته من حيل وأساليب فناني المسرح، ورغم أن عملها بالرقص كان يدر عليها دخلا شهريا كبيرا، إلا أنها كانت تؤمن أن لديها موهبة تتحرك في اتجاه آخر، كان الرقص مجرد وسيلة للبحث عن لقمة العيش، سرعان ما هجرته رغم أن بديعة مصابني حاولت مساومتها على رفع أجرها حتى تستمر راقصة. أدوات صناعة وبناء الكوميديا توافرت لها... لكنها لا تعرف أساليب توظيفها، وكانت مدرسة الريحاني المسرحية وموهبة بديع خيري في الكتابة ونحت الشخصيات... هي البداية للصعود إلى قمة أداء الكوميديا. 

كثيرون قالوا... إن الكاميرا كانت تسلب زينات صدقي مساحات كبيرة من جمالها، لكنها لم تكن تبحث عن حلاوة الصورة، بقدر ما كانت تفتش عن وسيلة لاقتحام قلوب الناس، وانتزاع سعادتهم من خلال ضحكة صافية... وهذا بالفعل ما حققته. اتهام باطل وكان أخطر آخر ما تردد عن زينات صدقي وقيل عنها منذ فترة زمنية بسيطة هو اعتناقها لليهودية هروبا من الجوع والفقر... ولكن ابنة شقيقتها «نادرة» نفت أن تكون خالتها على دين اليهودية، أو أي ديانة أخرى غير دين الإسلام. وفي تصريحات خاصة لها أكدت أن اسمها زينب محمد سعد وأن شهادة ميلادها الصادرة عن قسم المنشية بمحافظة الإسكندرية تؤكد أنها لأبوين مسلمين وأنها ولدت في الرابع من مايو العام 1913.

وأضافت «نادرة»: إن خالتها كانت تطمع لأن تختتم حياتها بالحج لبيت الله الحرام وأنها أعربت عن تلك الأمنية عندما التقت الرئيس المصري الراحل أنور السادات عند لقائها به في مناسبة تكريمها في العام 1976... غير أنها توفيت بعد أقل من أسبوع بعد إصابتها بمياه على الرئة. وتابعت: رفضت خالتي أن تتصل بالسادات من أجل أن يعالجها على نفقة الدولة، رغم أنه منحها رقم هاتفه الشخصي، وطلب منها ألا تتردد في الاتصال به عند وقوع مشكلة... غير أنها «أي زينات» هددتها بالانتحار لو أنها اتصلت بالسادات من دون علمها كي تخبره بحاجتها للعلاج. واستطردت... فضلت خالتي ألا تثقل عبء الرئيس أو خزانة الدولة المرهقة وفضلت أن تموت في صمت، وأكدت أنها كانت تؤدي الصلاة وتحرص على الاستماع لإذاعة القرآن الكريم على الدوام ولأجل ذلك... فإن الادعاء بأنها كانت يهودية... أصاب الأسرة بالألم وشوهها بين الجيران. بالإضافة للصدمة التي انتابت محبيها حينما استمعوا للدكتور محمد أبوالغار يتحدث في برنامج «البيت بيتك» بالتلفزيون المصري... حيث زعم أن زينات صدقي، اعتنقت اليهودية في أواخر أيامها، نظرا لحاجتها المادية وقد جاء كلام أبوالغار في معرض كلامه عن كتابه الصادر أخيرا عن دار الهلال عن «اليهود في مصر». 

وأدت تصريحات أبوالغار إلى ردود فعل كبيرة في أوساط الجمهور والوسط الفني حيث صدقها الكثيرون بينما رفضها البعض وخاصة من كبار الممثلين الذين عاصروا زينات صدقي وعرفوها عن قرب. وفور اتصال بين أسرة الفنانة زينات صدقي وأبوالغار... تعهد الأخير بتصحيح معلوماته الخاطئة في الطبعات التالية من الكتاب. وهكذا بعد مسيرة فنية طويلة... تنوعت بين المسرح والتلفزيون، كانت خلالها نجمة النجوم... إلا أن الأيام غدرت بها في أيامها الأخيرة، ولم تكن النهاية مبهجة ولا سعيدة مثل أعمالها الفنية، بل كانت حزينة قاتمة... حيث ماتت بمرض القلب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر