الجمعة، 23 أغسطس 2013

أغنيتين وطنيتين أعدتا لعبد الحليم حافظ ولم يتم تسجيلهما







القاهرة: طارق الشناوي 
كان الموسيقار الكبير «كمال الطويل» هو العنوان الأبرز لثورة 23 يوليو قبل نحو 60 عاما.. المفاجأة هي أن موسيقار يوليو سيصبح هو موسيقار ثورة يناير.. عثر ابنه الموسيقار «زياد الطويل» على أغنيتين وطنيتين وكأنه يعبر عن ثورة 25 يناير أعدهما لعبد الحليم حافظ ولم يتم تسجيلهما بفرقة موسيقية.. يشاركه بالفعل «عبد الحليم» في بروفات واحدة منهما وكان «الطويل» يعزف على البيانو.. الغريب أن الأغنيتين من كلمات «الطويل» ويبدو كأن الموسيقار الكبير يتحدث الآن عن ثورة الشباب يقول مطلع الأغنية الأولى: «آن الأوان يا مصر نشوف عيون فرحانة.. آن الأوان يا مصر يا عطشانة».. أما الثانية فتقول كلماتها التي يشاركه «حليم» غناءها: «بعدما صبرنا بعدما قتلنا بعد أن جوعنا وأن عطشنا فجأة قمنا فجأة يا مصرنا بعثنا».. تخلق عادة الثورات إحساسا جديدا لا أعني بذلك أن نرى ونسمع فقط فنا يتغنى بالثورة بمعناها المباشر ولكن أن تحدث أيضا ثورة إبداعية وطنية واجتماعية وسياسية وأيضا عاطفية ولهذا مثلا في عام 1953 وبعد مرور عام واحد على قيام ثورة 23 يوليو وعند إعلان قيام الجمهورية صرح الفنان الكبير «يوسف وهبي» قائلا اليوم أعلن قيام الجمهورية وأعلن مولد المطرب «عبد الحليم حافظ»!! ومع ميلاد «عبد الحليم» الفني كان الزمن سخيا فلقد ولد «عبد الحليم» ومعه ولد أيضا مجموعة من كبار المبدعين «كمال الطويل»، «محمد الموجي»، «صلاح جاهين» والموزع العبقري «علي إسماعيل» وبدأ فن هؤلاء يبزغ مع قيام الثورة.. بدأ «الطويل» مشواره الفني قبل قيام الثورة ببضع سنوات حيث التحق بالإذاعة المصرية مسؤولا عن قسم الموسيقى ولكنه بسبب موقفه المؤيد لحزب الوفد الذي كان يمثل المعارضة قبل قيام الثورة تم إبعاده إلى وزارة التموين كنوع من توجيه عقوبة له.. بداية «كمال الطويل» كانت تنبئ بتلك الروح الوطنية فلقد كتب والده «زكى الطويل» أغنية كانت هي أغنية المقاومة التي رددها طلبة المدارس في العشرينات من القرن الماضي التي تتحدى الاستعمار الإنجليزي تقول كلماتها «يا عم حمزة إحنا التلامذة».. بدأ «الطويل» مشواره الفني أيضا بكلمات والده حيث لحن لفايدة كامل التي كانت زميلته في معهد الموسيقى العربية الأغنية الدينية «إلهي ليس لي إلاك عونا» ثم بعد ذلك «قل أدعو الله أن يمسسك ضرا» ثم تطلع إلى الأغاني العاطفية وتوجه مباشرة إلى المطرب الذي كان نجما في نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات «عبد الغني السيد» وأثناء البروفة قال له «عبد الغني» قبل أن يغادر الاستوديو معتذرا عن غناء اللحن أو بتعبير أدق غاضبا وساخرا من اللحن والملحن «إيه ده هو انت عامل – كوفاديس –» وكان هذا الفيلم العالمي يضرب به الأمثال في مطلع الخمسينات على الضخامة والفخامة.. أما المطرب الشعبي الكبير «محمد عبد المطلب» فلقد قال له «إيه الأغنية دي ومين المطرب ده اللي قلت ح يقعدنا في بيوتنا» وكان يقصد أيضا السخرية من أول ألحان «كمال الطويل» لعبد الحليم حافظ قصيدة «لقاء».. أما «محمود شكوكو» فإنه لم ينتظر ليستمع إلى اللحن كاملا الذي عرضه عليه «الطويل» بعد إلحاح من «عبد الحليم» اكتفى فقط (شكوكو) بجزء من الكوبليه الأول ونظر شذرا إليه وتقدم منه خطوات قائلا إيه اللحن «الخواجاتي» ده وحتى لا يكررها مرة أخرى فلقد أخذ يطاردهما يريد الإمساك بهما وأفلت «الطويل» و«حليم» بمعجزة من قبضة «شكوكو»!! أراد «كمال الطويل» أن يكون نفسه ولم ترهبه كل هذه الاعتراضات فقدم لنا عشرات من الألحان نقتات منها ولا نزال كلما شعرنا بحاجتنا إلى صدق الأحاسيس ودفء المشاعر.. و«الطويل» برغم كل هذا العطاء الموسيقي على مدى تجاوز نصف قرن لا يعتقد أنه أضاف الكثير ولا حتى القليل للموسيقى الشرقية وللأغنية العربية ولا يعترف بأن عطاءه الفني لا يزال متدفقا في شرايين حياتنا.. بداخل «الطويل» – وقد اقتربت منه بمسافة تسمح لي بأن أراه بحيادية وشفافية – إحساس بالتواضع ليس ادعاء بقدر ما هو قناعة بأن إنجازه الفني لا يستحق كل هذه الحفاوة والتقدير وأن ما يحظى به من دفء سواء من الناس أو الفنانين والنقاد مجرد مجاملة رقيقة لا يملك إلا أن يشكرهم عليها وأتصور أن هذه القناعة أو - إن شئت الدقة - اليقين الذي لا يشوبه أي شك هو سر تميز العطاء رغم الندرة والتردد الدائم الذي جعله يحتفظ بعشرات الألحان أو يجهضها قبل أن تكتمل بحجة أنها لا تضيف جديدا ولا تحمل شيئا مغايرا للسائد.. هناك مدرستان للإبداع الأولى تضع الإبداع بعد المبدع والثانية تضع الإبداع سابقا على اسم المبدع و«الطويل» ينتمي للثانية حيث إنه لا يبدأ بوضع اسمه أولا ثم اللحن ثانيا لكنه يضع أولا إبداعه الفني ثم توقيعه ثانيا إنه لا يبيع اللحن باسمه الذي تحول إلى ماركة مسجلة على الجودة بل يقدم اللحن الذي يضيف إلى اسمه ويضيف الكثير إلى مشاعرنا فلا يبدد هذا الاسم.. شعاره الذي يطبقه هو «الفن قبل الفنان دائما».. إنه يدخل مع كل نغمة يستلهمها في امتحان جديد.. «الطويل» ابن شرعي لـ«سيد درويش»، «القصبجي»، «عبد الوهاب»، «السنباطي»، «زكريا»، «الشريف»، «فوزي» وهو امتداد لكل هؤلاء وفي نفس الوقت بصمة حقيقية لها نبضها الخاص وملامحها التي لا تخطئها الأذن ولا المشاعر.. إنه الشباب والرجولة والتدفق والعنفوان كل هذا تشي به موسيقى «كمال الطويل»!! وضع القدر في مشواره صوتين كانا هما صوته الذي تمنى أن يكونه «عبد الحليم حافظ» و«نجاة» إنهما عنوان الإحساس في الأداء والشياكة والرقة وأيضا العصرية ولهذا كان لهما - من دون أن يقصد أو يقصد - النصيب الأكبر من إبداعه الفني على خريطة «كمال» الفنية!! فهو الذي منح «عبد الحليم حافظ» لحن حقق له جماهيرية – بعد «صافيني مرة» للموجي – وهو «على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم» الذي قال عنه «كامل الشناوي» إنه الطبق الطائر الذي حلق به «عبد الحليم» وأول أفلام عبد الحليم «لحن الوفاء» تم الشروع في إنتاجه بسبب النجاح الطاغي لتلك الأغنية وكان اسم الفيلم في البداية «على قد الشوق» قبل أن يتم تغييره إلى «لحن الوفاء».. وهو الذي اكتشف لنجاة طريقا مغايرا حيث كانت في البداية تعيد تقديم أغنيات سيدة الغناء العربي «أم كلثوم» لكن «الطويل» قدم لها «أسهر وانشغل أنا» لنصبح أمام صوت نحتاج إليه، صوت يمتلك كل القوة في الإحساس بديلا عن الإحساس بالقوة!! مع الأصوات الأخرى لا تجد الكثير من الألحان لكنك تلمح دائما اللمحة المضيئة ليلى مراد «القلب بيتنهد» نجاح سلام «أسرار الحب» شادية «قل أدعو الله أن يمسسك ضرا»، «وحياة عنيك وفداها عنيه» قنديل «الغورية» عادل مأمون «ياللي سامعني قول يا نور عيني» فايزة أحمد «ياما قلبي قاللي لأ» وردة «بكره يا حبيبي يحلو السهر» صباح «مال الهوى ياما مال الهوى» شهرزاد «إديني من وقتك ساعة» عفاف راضي «مصر هي أمي» محمد منير «لسة الأغاني ممكنة» ماجدة الرومي «ساعات» محمد رشدي «يا قمر يا اسكندراني» فايدة كامل «إلهي ليس لي إلاك عونا» مدبولي «طيب يا صبر طيب».. أما مع «سعاد حسني» فلم يكن هو أول من قدمها كمغنية فلقد سبقه «الموجي» في فيلم «صغيرة على الحب» باستعراض «عم حزمبل» الذي غنت فيه «ع الحب لسه صغيرة» ولمنير مراد أكثر من استعراض لحنه لها لكن «الطويل» كالعادة وجد «سعاد» ووجدنا معه «سعاد» في «يا واد يا تقيل» و«الدنيا ربيع» و«دولا مين» وغيرها.. التقى «الطويل» بالصدفة «سعاد» فهما من سكان حي الزمالك توقفت سيارتيهما في إشارة مرور فطلبت منه أن يلحن لها.. كانت «سعاد» تريد أن يلحن لها منير مراد «يا واد يا تقيل» ولكن «منير» اعتذر في اللحظات الأخيرة وفجأة اعتبرت أن القدر أرسل لها «الطويل»!! في لقاء إشارة المرور لعب الحظ الدور الأكبر فهما من سكان حي الزمالك تجاورت السيارتان بسبب الضوء الأحمر قالت «سعاد» للطويل أريد لحنا يا أستاذ قال لها «كمال الطويل» على سبيل المجاملة «يا ريت».. ولكنه فوجئ في المساء باتصال تليفوني من «سعاد» وصديق عمره «صلاح جاهين» مؤلف «يا واد يا تقيل» وتغير المسار الغنائي لسعاد حسني منحها «الطويل» أسلوبا مغايرا لما كان يقدمه لها «محمد الموجي» و«منير مراد».. هما تعاملا معها كمطربة.. «الطويل» تعامل مع «سعاد حسني» باعتبارها «سعاد حسني» حالة خاصة فهي لن تغني مثل المطربات ولكن يكتشف «الطويل» وترا مختلفا هو نبض «سعاد» الخاص لا هو طرب ولا هو أداء إيقاعي ولا هو غناء مباشر إنه يتجاوز كل هذه الصفات ليمنحها سحرا خاصا اسمه سحر «سعاد» ولونها الذي لا ينافسها فيه أحد حتى أنها قدمت له الأغنية الوطنية «دولا مين ودولا مين» كلمات «أحمد فؤاد نجم»!! أما مع «أم كلثوم» فلم يزد اللقاء على «والله زمان يا سلاحي» والقصيدتين الدينيتين في الأوبريت الإذاعي «رابعة العدوية» وهما «لغيرك ما مددت يدا» ثم «غريب على باب الرجاء» للشاعر «طاهر أبو فاشا».. الأغنية الأخيرة منعها «الطويل» من الإذاعة ولم يفرج عنها إلا فقط قبل 18 عاما وحكاية عدم اكتمال اللقاء وتوتر العلاقة بين «الطويل» و«أم كلثوم» لها قصة.. «الطويل» هو الذي ألح على «أم كلثوم» بألا تخرج هذا اللحن للناس لأنه وقتها لم يكن راضيا عن اللحن.. حاولت إثناءه لكنه رفض والحكاية أن الموسيقار «محمد عبد الوهاب» دخل الاستوديو أثناء البروفات رحب به «الطويل» لكن «أم كلثوم» لأسباب خاصة بها لم ترتح لهذه الزيارة وكان رأيها أن اللحن – اتشم – وهو تعبير يقوله عادة أبناء الريف ولم يفهم «الطويل» الإسكندراني هذا التعبير – اتشم - وقتها ولكن بعد أن طلب منها ألا تذيع اللحن قالت له ألم أقل لك يا «كمال» اللحن اتشم.. أما الرائعة الوطنية التي كانت السلام الوطني لمصر بعد معركة 56 وحتى 79 عندما وقع «السادات» اتفاقية السلام مع إسرائيل فقرر تغيير السلام الوطني إلى أغنية سيد درويش «بلادي بلادي» لتتواءم أكثر مع المرحلة السياسية الجديدة قال لي «كمال الطويل» إنه أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 56 اتجه إلى البيانو ووضع اللحن وأسمع الموسيقى إلى صديقه الشاعر «صلاح جاهين» وعلى الفور انفعل «صلاح» وكتب «والله زمان يا سلاحي» وتوجه مباشرة إلى «أم كلثوم» التي كانت تقطن بجواره وكانت الإذاعة المصرية أحد الأهداف الاستراتيجية للقصف ورغم ذلك ذهبت «أم كلثوم» ومعها «الطويل» إلى دار الإذاعة لتسجيل «والله زمان»!! قصة أخرى أريد أن أستكملها معكم.. لقاؤه القدري مع «عبد الحليم حافظ» لنبدأها من لحظة خلافه مع «عبد الغني السيد».. فلقد أراد «الطويل» من «عبد الغني السيد» أن يغني بأسلوبه وليس بأسلوب «عبد الغني» حيث كان يجري بروفات أغنية لتترات فيلم اسمه «فجر» ولهذا غادر «عبد الغني» الاستوديو وأنقذ الموقف «عبد الحليم حافظ» الذي كان أحد أفراد الفرقة الموسيقية عازفا على آلة «الأبوا» سجل الأغنية بصوته ورفضت «ماري كويني» منتجة الأغنية التي كانت في تتر فيلم «فجر» رفضت المنتجة تصوير «عبد الحليم» لأنها كانت تريد صورة «عبد الغني السيد» وليست صورة المغمور «عبد الحليم حافظ» وقالت لمخرج الفيلم «عاطف سالم» وجه «عبد الحليم» ليس «فوتوجينيك».. وتواصلت رحلته مع «عبد الحليم» مع الأغنية التي اعتمدته في الإذاعة مغنيا وهي قصيدة «لقاء» والتي بدأت بتعليق ساخر من «عبد المطلب» بعد سماعها وقال هل هذا هو المطرب الذي سوف يقعدنا في بيوتنا.. الأغنية لم تنجح جماهيريا رغم أنها منحت «عبد الحليم» الإطار الرسمي كمطرب لكنه لم ينس رأي «عبد المطلب».. وتعلم «الطويل» من درس «طلب» وعلى الفور لحن لعبد الحليم «على قد الشوق» بل إنه كتب الكوبليه الأول لهذه الأغنية وأكمل بعد ذلك الشاعر «محمد علي أحمد» الكلمات.. يوما ما قال له «عبد المطلب» في نهاية الستينات هل تريد أن تدخل التاريخ يا «كمال» قال له «الطويل» ومين يكره يخش التاريخ أجاب «طلب» كيف تدخل تاريخ الأغنية وأنت لم تلحن لعبد المطلب فكانت أغنية «بتقول وتعيد لمين وتشكي لده وده.. الناس المغرمين ما يعملوش كده» ودخل «الطويل» التاريخ قبل وبعد «الناس المغرمين»!! الأغنية الوطنية كانت هي الشفرة السحرية مع «عبد الحليم» و«صلاح جاهين» بأغنيات «احنا الشعب»، «بالأحضان»، «صورة»، «المسؤولية»، «السد العالي» التي كتبها «أحمد شفيق كامل» و«يا جمال يا حبيب الملايين» التي كتبها «إسماعيل الحبروك» ولهذا فإن «كمال الطويل» اختلف مع «عبد الحليم» على حد قوله عندما بدأ يأخذ دور الزعيم في الأغنية وتوقف عن تلحين أغنيات عاطفية لعبد الحليم لكنه لم يتوقف عن تلحين الأغنيات الوطنية.. كان «عبد الحليم» الستينات أو بتحديد زمني أكثر دقة نهاية الستينات وحتى رحيله عام 1977 في السنوات العشر الأخيرة من عمره كان هناك «عبد الحليم» آخر يتدخل في كل شيء حتى قيادة الفرقة الموسيقية وكان هذا يغضب «عبد الوهاب» ولكن «عبد الوهاب» أكثر مرونة ودبلوماسية من «الطويل»!! كان لحن «بلاش عتاب» هو المحطة العاطفية الأخيرة بينما حتى هذا اللحن كان «الطويل» يريد ألا يستكمله فلقد توقف عند «اللزم» الموسيقية ولم يضعها «كمال الطويل» ورشح لعبد الحليم من يستكملها إما «بليغ حمدي» أو «رؤوف ذهني» ووقع اختيار «عبد الحليم» على «رؤوف» ولكن عندما استمع «الطويل» إلى «اللزم» الموسيقية لم يجد فيها الخيال الفني الذي تمناه في اللحن ولهذا قام «الطويل» بإعادة تلحين اللزم مرة أخرى ليصبح اللحن كاملا للطويل إلا أن اللقاء الفني في الأغنيات العاطفية توقف بينه وبين «عبد الحليم» بعد «بلاش عتاب» وإن كان قبل رحيل «عبد الحليم» اتفقا على أغنية للأبنودي «ولا كل من ضحكت عينيه عاشق ولا كل من فرد الإيدين مشتاق» ورحل «عبد الحليم» قبل أن يردد هذا اللحن ولم يسند «الطويل» الأغنية حتى رحيله لصوت آخر.. على المستوى الوطني فلقد رفض «عبد الحليم» غناء «الباقي هو الشعب» التي غنتها بعد ذلك «عفاف راضي» وبرغم أن البعض يحيل الرفض لأسباب سياسية حيث إن تعبير «الباقي هو الشعب» من الممكن أن يفسر على أساس نهاية القوات المسلحة إلا أن المعنى الذي صاغه «سيد حجاب» بعد هزيمة 67 كان يوجه من خلاله تحية للشعب المصري الصامد ورغم ذلك فإن رفض «عبد الحليم» للغناء يعود في تحليلي الشخصي لأن البطل هو المجموعة وليس الصوت الفرد وحرص «الطويل» على أن عمق فكرة الأغنية يفرض على اللحن أن يعلو صوت المجموعة على صوت المطرب «الصولو» ولكن عبد الحليم بعد ذلك غنى له الأغنية الجماعية «خلي السلاح صاحي» التي كتبها «أحمد شفيق كامل» في بداية حرب 73!! لم تخل العلاقة بين «عبد الحليم» و«الطويل» من قدر من التوتر وذلك عندما تدخلت السياسة فلقد أراد «الطويل» الاعتذار عن تلحين أغنية «صورة» عام 1966 ولكن كانت الدولة تعتبر أن حفل ثورة 23 يوليو الذي يقدم فيه أغنية وطنية جديدة في العادة من تأليف «صلاح جاهين» وتلحين «كمال الطويل» هذا اليوم هو جزء من حالة وطنية امتزجت بالفن ولا يجوز التخلف عنها تحت أي مسمى أو عذر ولهذا فإن «الطويل» عندما اعتذر في منزل «عبد الحليم حافظ» بحجة أنه ليس في مزاج يسمح له بالتلحين وكان حاضرا هذا اللقاء «شمس بدران» وزير الدفاع الأسبق بادره قائلا ومن دون سابق معرفة هل تعتقد أننا نعمل بالمزاج ح تلحن الأغنية سواء كان عندك مزاج أو «معندكش».. واستبد الغضب بالطويل وقرر أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع ولهذا اتجه في اليوم التالي لمطار القاهرة الدولي لكي يسافر إلى الخارج واكتشف أنه في قائمة الممنوعين من السفر وعندما استفسر من «د. عبد القادر حاتم» الذي كان يشغل موقع وزير الإعلام قال له «حاتم» شوف صاحبك هو أكيد اللي عملها وأدرك «الطويل» أن المقصود بصاحبك هو «عبد الحليم» وأنه أوعز إلى صاحبه «شمس بدران» بمنع «كمال الطويل» من السفر بحجة الواجب القومي ولهذا ضرب بالصداقة عرض الحائط ولحن الطويل «صورة» حتى لا يجد نفسه خارج «الصورة» ويقف هو والدولة وجها لوجه!! المؤكد أن هذا الموقف ترك جرحا داخل «الطويل» إلا أنه لم يقتل الصداقة أو الحب الذي منح رغم كل شيء «عبد الحليم» مكانة خاصة عند «الطويل» لا ينافسه فيها أحد حتى أنه حزن جدا عندما علم أن البعض أوعز لعبد الحليم في مرضه الأخير أن «الطويل» كان في لندن وعلم بمرضه ولم يزره ولم تكن هذه أبدا الحقيقة ولا أخلاقيات «الطويل».. مكانة «عبد الحليم» لم تغيرها سحب الخلاف العابر، خاصة أن «الطويل» كان يعلم أن «عبد الحليم» عندما يتعلق الأمر بفنه يستخدم كل الأسلحة.. قال لي «كمال الطويل» إنه لم يفقد يوما إيمانه بالثورة المصرية وأغانيه حتى تلك التي تغنت مباشرة باسم «جمال عبد الناصر» كان اسم الزعيم قد ارتبط فيها بالوطن لم يشعر ولو لحظة واحدة بالندم ولكن انكسر بالتأكيد الحلم بعد هزيمة 67!! رحل «كمال الطويل» عام 2003 وتحديدا 9 يوليو (تموز) ولم يلحن أغنيات باسم «أنور السادات» ولا «حسني مبارك» برغم أنهما عرضا عليه كثيرا تلحين تلك الأوبريتات خاصة في عهد «حسني مبارك» وكانت الإغراءات المادية ضخمة لأن أغنيات ثورة يوليو كانت تقدم مجانا بينما أوبريتات أكتوبر (تشرين الأول) كانت ترصد لها الملايين ويحصل الملحن في العادة على نصيب الأسد من تلك الملايين ولكن «الطويل» رفض تماما أن يشارك في مثل هذه الاحتفالات ولم يلحن لاسم أي رئيس بعد «عبد الناصر» بل أكثر من ذلك عندما صار نائبا تحت قبة البرلمان عن حزب الوفد في التسعينات كان هو صوت المعارضة ولاحظ «الطويل» أن «صفوت الشريف» وزير الإعلام في تلك السنوات يتعمد أن يحذف من استجوابه تحت قبة البرلمان كل الكلمات التي ينتقد فيها الدولة بعدها قرر «الطويل» أن يقاطع تلفزيون الدولة الرسمي وقال لي إنه من الممكن أن يسجل للتلفزيون المصري بعد أن يغادر «صفوت الشريف» موقعه كوزير للإعلام ومع الأسف تحقق ذلك بعد رحيل «كمال الطويل» بعامين واعتذر «الطويل» عن كل اللقاءات التلفزيونية احتجاجا على رقابة «صفوت الشريف» وهذا هو سر ندرة تسجيلاته المرئية!! ويبدو أن الموسيقار الكبير لا يزال قادرا على التعبير عن ثورة الشباب من العالم الآخر.. أتمنى أن أستمع إلى أغنيتيه وهو يردد «آن الأوان نشوف عيون فرحانة.. آن الأوان يا مصر يا عطشانة»!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر