الخميس، 22 أغسطس 2013

أحمد زكي وسعاد حسني وصلاح جاهين... ثلاثة مبدعين من طراز رفيع

ساحر في أدائه لشخصياته... مرعب في تقمصه لأدواره... إطلالته على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة وحتى على خشبة المسرح مختلفة إلى حد التميز ومتميزة إلى حد التفرد، استحق عن جدارة أن يستحوذ على نصف دستة ألقاب - أو أكثر- لا ينازعه فيها أحد.
فهو «العبقري»... رئيس جمهورية التمثيل... الامبراطور، المريض بالفن... زعيم مدرسة فن التقمص... وجاك نيكلسون العرب.
هكذا قالوا عن النجم الأسمر الراحل أحمد زكي الذي رحل عن عالمنا قبل 4 سنوات وعدة أشهر لكنه بقي خالدا في ذاكرة «الفن السابع» بأفلامه المتفردة.
هذا «الفتى الأسمر»... الذي عانى اليتم والحرمان والانكسار منذ ولادته في مدينة الزقازيق «عاصمة محافظة الشرقية»ـ على بعد نحو 85 كيلو مترا شمال شرق العاصمة المصرية - جاء إلى القاهرة «هوليوود الشرق» ليقلب الموازين في عالم السينما، ويصبح بالرغم من سمرة وجهه التي تشبه طمي النيل فتى الشاشة الذي تفوق على نجومها السابقين والمعاصرين له حتى ان نجم هوليوود روبرت دي نيرو والفنان عمر الشريف... أكدا أنه لولا حاجز اللغة لأصبح «ابن الزقازيق» نجما عالميا لا نظير له.
عندما تشاهد أعمال «أحمد زكي» على الشاشة فأنت ترى نجما فوق العادة... ملامحه منحوتة من أرض مصر... يتكلم ويعبّر فتشعر أنك أمام بطل شعبي وليس ممثلا يعشق الفن إلى حد الجنون، حتى انهم قالوا عنه «صاحب مدرسة الفن المنحوت»، وقالوا: إنها مدرسة من إبداعه... وربما لهذا أحبه الجمهور واعتبره بطله الأول الذي يحرص على مشاهدة أفلامه. 

أسرار ومواقف وحكايات مثيرة كثيرة في حياة أحمد زكي... سنتعرف عليها في 30 حلقة، عبر «الراي»... نقترب من شهادات عدد من الذين اقتربوا منه وآراء النقاد وزملاء المشوار لنعرف النجم الأسمر عن قرب، ونعرف ما كان بداخله وكيف استطاع الوصول إلى هذه المكانة، وكيف استحوذ على قلوب عشاق السينما والمسرح والتلفزيون، وكيف أحبه كل من عمل معه، وكل من تعامل معه... فابقوا معنا... حلقة بعد أخرى.

أحمد زكي وسعاد حسني وصلاح جاهين... ثلاثة مبدعين من طراز رفيع جمع بينهم الفن الذي أحبوه وعشقوه حتى افترستهم الآلام فماتوا تاركين مئات الأعمال المميزة وأصبحوا علامات في تاريخ الفن المصري والعربي.
كان جاهين الشاعر المصري الراحل بمثابة الأب الروحي للفتى الأسمر والسندريللا ... أعجب بهما وبفنهما فأحبهما حتى رحل عن الدنيا أما هما فلم ينسياه حتى رحلا أيضا .
وعبر السطور التالية... نتعرف على تفاصيل علاقة الثلاثي المبدع وأبرز المواقف في حياتهم:
بدأت العلاقة بين الفتى الأسمر والسندريللا أثناء التحضير لفيلم «الكرنك» وكان أحمد زكي مرشحا للبطولة أمامها فرفضه المنتج، لكن مع فيلم «شفيقة ومتولي» أصرت سعاد حسني على أن يشاركها أحمد بطولة الفيلم ومن وقتها بدأت بينهما علاقة إنسانية وفنية شديدة التجانس والتناغم.
وبعدها قاما معا ببطولة مسلسل «هو وهي» و التقيا مرة أخرى في فيلم «موعد على العشاء» ثم «الدرجة الثالثة» وكان آخر لقاء فني جمعهما معاً في فيلم «الراعي والنساء» .
علاقة إنسانية
عن علاقتها الفنية بأحمد زكي قالت الراحلة سعاد حسني: أحمد يعطي للدور صيغة كاملة... في «شفيقة ومتولي» كان الولد الصعيدي المحاط بكل أنواع الإحباط وفي «موعد على العشاء» كان حلاق السيدات الرقيق الحساس... وفي «الراعي والنساء» كان الرجل الذي يعيش اللحظة ويشيع الإحساس... أحمد زكي ممثل كبير وأثبت تفوقا ملحوظا في «هو وهي» كان بيننا تنافس في كل لحظة.
وتحدثت رئيسة التلفزيون الأسبق سامية صادق - التي كانت مسؤولة عن إنتاج مسلسل «هو وهي» أثناء توليها رئاسة التلفزيون العام 1982 - عن ذكرياتها عن المسلسل قائلة: إنه جمع قمما فنية فالبطولة لأحمد زكي وسعاد حسني والأشعار والأغاني لصلاح جاهين من قصص سناء البيسي والموسيقى لكمال الطويل وعمار الشريعي والإخراج ليحيى العلمي.
وأضافت: لنها استطاعت إقناع سعاد حسني بالمشاركة كأول عمل تلفزيوني وإن كانت اعترضت على الأجر الزهيد إلا أنها وافقت على العمل في حين قبل أحمد زكي من دون أن يتناقش نهائيا في أجره. وكانت الأجور وقتها قليلة جدا، وأذكر أن صلاح جاهين كان يحضر البروفات والتصوير لعلاقته الوطيدة بكل من سعاد حسني وأحمد زكي اللذين كانا يعتبرانه الأب الروحي لهما.
وتابعت: كان أحمد زكي أكثر قدرة على التعامل مع كاميرات التلفزيون الثلاث وبحكم خبرته السابقة. في حين كانت سعاد تعيد المشاهد مرات عدة في مباراة بينهما للوصول إلى أعلى مستوى للأداء... ورغم تكرار ذلك لم يبد أحمد زكي أي غضب وكانت حصيلة تصوير يوم كامل قد لاتتجاوز 3 دقائق. ولكن النتيجة النهائية كانت عملا رائعا لحلقات تلفزيونية متميزة في 15 حلقة حرص جميع العاملين فيها على الإبداع وتقديمها - بمزاج - وهو ما يجعل من مسلسل «هو وهي» علامة تلفزيونية بارزة لايزال يحمل بريقه كلما عرض.
وعن السندريللا والفتى الأسمر قال نقيب السينمائيين المصريين ممدوح الليثي: سعاد حسني وأحمد زكي حالتان خاصتان فقد أحبا الفن وكانا موهبة فذة لم يسعيا وراء المال بقدر ما تماثلا مع الفن الذي قدماه بكل حب.
وتحدث عن بداية معرفته بأحمد زكي قائلا:عرفني على الفتى القادم من الريف الشاعر العظيم الراحل صلاح جاهين ورشحه لي ليقوم ببطولة فيلم «الكرنك» إلا أن لجنة الاختبار رفضته على اعتبار أن سعاد حسني لن تقبل أن يشاركها البطولة هذا الشاب الجديد. فما كان منه إلا أن قال لي: سوف يأتي يوم تتوسلون فيه إليّ لأعمل معكم.
وأضاف: هذا ما حدث بعدما انطلق الفنان إلى آفاق واسعة وبعيدة حتى ان وزير الإعلام آنذاك صفوت الشريف نفسه رشحه للعب دور عميد الأدب العربي في مسلسل طه حسين.
اشاعات... وأقاويل
وبعيدا عن العلاقة الفنية بين أحمد زكي وسعاد حسني فقد ترددت اشاعات كثيرة عن وجود علاقة بين الاثنين... بدأت بعد فيلم «الدرجة الثالثة» ووقتها كان أحمد زكي لا يزال متزوجا من الفنانة الراحلة هالة فؤاد ويقال إن انفصالهما كان بسبب هذه الاشاعات ولكن سعاد حسني لم تؤكد زواجها أبدا بأحمد زكي.
الغريب أنه وعلى الرغم من العلاقة شديدة الخصوصية التي جمعته بسعاد حسني فإنه ظل مختفيا عن الأنظار قرابة 10 أيام بعد وفاتها ثم اتصل بالصحافي محمود موسى وأعطاه ورقة ومبلغا من المال وطلب منه أن ينشر هذا النعي في صحيفة «الأهرام».
وكان كالتالي: إليها هي ... إلى الفنانة سعاد حسني، يا أكثر الموهوبين إتقانا، وأكثر العباقرة تواضعا، وأكثر المتواضعين عبقرية، بوجودك ملأت قلوب البشر بهجة، وبغيابك ملأتها بالحزن، استريحي الآن ... اهدئي، يا من لم تعرفي الراحة من قبل، لك الرحمة وكل الحب والتقدير، أسكنك الله فسيح جناته، يا من جعلت حياة الناس أكثر جمالا .
وعندما سئل أحمد زكي عن علاقته بالسندريللا الراحلة سعاد حسني التي شاركها في عدد كبير من الأعمال، ورد فعله عقب معرفته برحيلها المأسوي... قال: صدقوني مهما قلت وتحدثت عن سعاد حسني لن أوفيها حقها ومهما وصفت الحالة التي كنت عليها بعد رحيلها لن أستطيع أن أصف لكم حالة انهياري وحزني وإغلاقي على نفسي باب غرفتي وقتا طويلا.
فرصة ضائعة
ومن علاقته بالسندريللا إلى علاقته بالشاعر الكبير صلاح جاهين - تلك العلاقة التي بدأت في معهد الفنون المسرحية - حيث كانت الطالبة منى قطان تعرف زميلها أحمد زكي جيدا، وتزوجت منى من صلاح جاهين بعد قصة حب ومن هنا بدأت العلاقة بين زكي وجاهين الذي رشحه للعب دور البطولة في استعراض كبير هز الدنيا وقتها اسمه «القاهرة في ألف العام» كان جاهين هو المؤلف والمخرج ألماني أعجبه حماس أحمد في الأدوار الصغيرة فاختاره ليكون بطل العرض ليقوم بدور صحافي يستعرض محطات تاريخ القاهرة. لكن سعيد أبو بكر الممثل ومدير المسرح وقتها رفض.
ولعب زكي دورا هامشيا في العرض وأدى مشاهد صامتة وضاعت أولى فرصه ولم يحزن على ضياعها منه غير المخرج وصلاح جاهين الذي أصبح الأب الروحي لأحمد زكي.
كان جاهين أبا بطبعه لدرجة أن زكي أقام إقامة كاملة في منزله وحين بدأ زكي يصطدم بالوسط الفني وسلوكياته كان يشكو لوالده الروحي صلاح جاهين، الذي كان يدرك ألم الشاب الذي يعتبره عبارة عن كتلة أعصاب مشدودة، كان يعرف جيدا أن هذا الشاب الموهوب لدرجة الجنون قصير العمر، ولايحتمل الحياة بكل قسوتها لدرجة أنه عندما مات جاهين، شعر أحمد زكي أن جزءا منه قد مات.
وقف جاهين بجانب أحمد زكي عندما سحبت منه بطولة فيلم «الكرنك» في بداية حياته الفنية وفكر في الانتحار، واستطاع أن يخرجه من أزمته وقال له: انت موهوب والبطولات آتية ولا تتعجل. وصدق صلاح جاهين ونجح أحمد زكي وأصبح النجم الأول في مصر، وتوفي صلاح جاهين ولكن صلته بأحمد زكي لم تنته.
فعندما تعرض أحمد زكي لحادث سيارة جاءه صلاح جاهين في المنام وطمأنه. وجاءه عندما أجرى عملية المرارة وتجاوز المحنة، ثم امتنع صلاح جاهين عن زيارة أحمد زكي في المنام، وطوال فترة مرضه كان أحمد زكي يقول «أنا في انتظار زيارة صلاح جاهين»، لأنه عقب كل زيارة في المنام كان يتجاوز محنته.
وعن علاقته بجاهين قال النجم الأسمر: الراحل صلاح جاهين كان أهم إنسان في حياتي وكان أبي وصديقي وأستاذي وهو الوحيد الذي ربت على كتفي وكان دائم السؤال عني وعن الجميع رغم أن أحدا لم يكن يسأل عنه ويربت على كتفه وقد مات صلاح جاهين حبا للوطن. امتلأ قلبه بالحب فلم يحتمل ومات. أراد السعادة للجميع واحتفظ لنفسه بالدموع.
أب... روحي
كما كان صلاح جاهين يتدخل لحل مشاكل الفتى الأسمر الخاصة, ويحكي زكي عن ذلك قائلا: ذات مرة حدثت خلافات بيني وهالة فؤاد وكانت خلافات عادية كتلك التي تحدث بين كل زوجين. في البداية كان صلاح جاهين - رحمه الله - يتدخل لفض الخلافات بيننا - وكأب روحي - كنت أسمع كلامه وأطيعه.
وأذكر في إحدى المرات أن اختلفت مع زوجتي وتركت هي المنزل. واستمر الخلاف لمدة شهر وهي بعيدة عني. وأنا أعاند وهي تعاند وأبوها يعاند. وفي أحدالأيام التقيت جاهين قال لي: انت فاضي يا أحمد تسافر معايا اسكندرية دلوقتي.
قلت له: نعم وركبنا سيارتي. ولما وصلنا أخرج من جيبه ورقة صغيرة مكتوب فيها عنوان قائلا: وديني العنوان ده في المعمورة ولما دخلنا البيت فوجئت بحماي وزوجتي. فمسك يدها ووضعها في يدي قائلا: ياللا اتصالحوا.
وفي ثوان ذابت الخلافات بيننا. ونسينا كل شيء. ولما أحس صلاح جاهين أن مهمته نجحت. قال: أنا ماشي وخرج بسرعة وأشار لتاكسي وحشر نفسه فيه وعاد للقاهرة وحده.
وعرفت بعد ذلك أنه سأل عن زوجتي وحماي. حتى عرف أنهم نازلين في هذه الشقة بالإسكندرية. ورتب كل شيء لكي يصالحنا. لكن أين صلاح جاهين الآن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر