الأربعاء، 7 أغسطس 2013

العندليب الأسمر والمرض



لقد أصيب العندليب الأسمر بتليف في الكبد وكان هذا التليف سببا في وفاته عما 77 م .. وكانت أول مرة عرف فيها العندليب الأسمر بهذا المرض عام 1956 م .. عندما أصيب بألام حادة اضطرته للسفر إلى بريطانيا لإجراء فحوصات هنا مما أثبت إصابته بتليف في الكبد سببه البلهارسيا .. وبعد حوالي عشرين عام من إكتشاف المرض الذي لم يكن له علاج حينها توفي العندليب الأسمر تاركا الجميع يبكون على فقد هذا الصرح العظيم ..وقد كانت وفاة العندليب الأسمر كارثة للفن في مصر وفي الوطن العربي بأكمله .. كما انها كادت تودي بحياة الموسيقار محمد عبد الوهاب .. فالوفاة كانت غير متوقعة أبدا فقد إعتاد الجمهور على تواجد العندليب في المستشفيات وفي مستشفيات لندن على وجه الخصوص بشكل مستمر .. بل ان البعض تجاوز ذلك بقوله ان عبدالحليم حافظ قد سافر إلى لندن لعمل دعاية إلى شريطه الجديد ومنهم من قال انه يدعي المرض ليكسب عطف الجمهور .. ويالها من قسوة .. فقد ذهب ليموت هناك وليس لعمل دعاية أو لكسب عطف الجمهور عبد الحليم والمرض صارع عبد الحليم لمدة سنوات المرض الذي لم يثنه عن شق طريقه وخلق نجومية لم يكن هو نفسه يتوقها. في سنــواته الأخيرة إثّر المرض على عبد الحلـيم فسافر إلى لندن وتحـــديدا لمســـتشفى «سان جيمس» وهو من أرقى المستشفيات في بريطانيا. وعلى الــرغم من أنه قام بعدة عمــليات ألا ان عبد الحليم لم يستطع أن يـــقاوم المرض الذي أزهق أنفاسه في الغربة. كانت وفاة عبد الحليم بمثابة الصدمة على كل الأجيال التي أحبته وغنت أغانيه في أشد لحظاته فرحا وحزنا. أحدثت وفاته بلبلة في الوسط الفني ودهشة وجم لها كل محبي العندليب كانت جنازته أسطورية فلقد شيعه شعب مصر إضافة إلى كل شعوب العالم العربي الذين طافت قلوبهم وعبرت كل الحواجز تبادله اللحن بالكلمة والحزن بالعبرة والحب بالهمسة. محمد عبدالوهاب ********* ومادمنا أوردنا ان وفاة العندليب كادت تودي بحياة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب .. فلابد من ذكر الأحداث التي صاحبة معرفة الموسيقار بالخبر .. عندما توفي العندليب الأسمر في مستشفى بلندن كانت حرم الموسيقار عبدالوهاب موجودة بجوار العندليب لحظة إعلان وفاته .. وفي اليوم التالي كانت ربة منزل الموسيقار قد علمت بوفاة العندليب وكانت تعرف أن الموسيقار لن يتحمل الخبر وقد نصحها البعض أن يكون طبيبه الخاص موجودا ساعة إخباره فقد لايتحمل المفاجاة فقد كان يحب العندليب بشدة .. لذا قامت ربة منزله بإخفاء الصحف عنه وقررت عدم إخباره حتى يحضر طبيبه .. وكان صوتها مختنقا وتكاد تجهش بالبكاء وهي تقدم له الإفطار مما جعل الموسيقار يسئلها مابك ؟؟ فأخبرته أنها مصابة بنوبة برد .. فأخبرها بأن تبتعد عنه حتى لاتعديه ولم يشك في الأمر .. ولكن بعد مدة قصير إتصلت زوجته وكانت تظن زوجها قد علم بالأمر وأخبرته وهي تبكي بموت العندليب .. فسقط مغمى عليه فورا .. فإستدعت ربة منزله دكتوره الخاص في الحال ليسعفه .. وعندما أفاق أخذ يردد هذه الجملة أكثر من عشرين مرة حليم مات ؟؟ مش معقول وقد توفي العندليب الأسمر يوم الأربعاء 30 مارس 1977 م .. وقد شيع العندليب الأسمر ومشى في جنازته اكثر من 250 الف شخص .. وللأسف الشديد فقد حدثت حالات إنتحار كثيرة بعد موته خصوصا من الفتيات ممن سحرهن صوت العندليب الأسمر فلم يردن الحياة بعده غنى عبد الحليم للحب.. غنى للألم ... غنى للوطن بصوته العذب الحزين وكانت وفاته صدمة هزت الوسط الفني في العالم العربي . استلهم عبد الحليم عذوبة صوته وإحساسه المرهف من اليــــتم والخصاصة اللذين ميزا طفــــولته وصباه إذ عاش بعد وفاة والدتـه وهـــو رضيع لدى الجيران. وهو طفــل أخذه خاله للقاهرة ومن ثمة دخل إلى ملجإ للأيتام عــاش داخله رفــقة الأطفــال الأيــتام الذين يشــكون الألـم والحرمان التاريخ الحقيقى لوفاة عبد الحليم حافظ د. خالد منتصر تعمدت ان أكتب بعد إنفضاض المولد السنوى لعبد الحليم، وذلك لأننى أعتقد أننا لابد أن نعيد النظر فى فى توقيت الإحتفال بذكرى وفاة عبد الحليم حافظ، فعبد الحليم لم يمت فى مارس 1977 ولكنه مات قبل ذلك بفترة طويلة وبالتحديد أثناء حفلة قارئة الفنجان الأولى، هذه الأغنية التى بذل فى الإعداد لها وفى بروفاتها مجهوداً خارقاً تعرض بسببه للنزيف القاتل عدة مرات، فقد إحتشد لها بكل عناصر النجاح، أولاً إختياره لكلمات أشهر شاعر عربى حديث كتب عن الحب وهو نزار قبانى، ثانياً لحن محمد الموجى الذى تم التحفظ عليه لحين الإنتهاء من لحنه العبقرى المتفرد والذى نكتشف فى تفاصيله مايدهشنا حتى هذه اللحظة، ونأتى إلى أهم تلك العناصر وهو صوت حليم الذى وصل فى تلك الفترة إلى قمة تألقه ونضجه وشجنه وسحره. [بإختصار إجتمعت فى تلك الأغنية كل عناصر النجاح، ولكن وآه من لكن هذه، فقد كانت الحفلة خاسرة بكل المقاييس وخصمت من رصيد عبد الحليم الكثير والكثير، ففى هذا الحفل تأكد عبد الحليم من أن الزمن لم يعد زمنه، وأن جمهوره القديم قد تغيرت ملامحه بحيث أصبح من الصعب على حليم أن يتونس به، وأن مجتمعه الذى تشكل منذ منتصف الخمسينات وإنتمى هو إليه بكل كيانه وتم تأميم حنجرته لصالح توجهاته الثورية، هذا المجتمع كان قد رحل فى سفينة الإنفتاح مودعاً إياه وملوحاً له بشيكات الصفقات والعمولات والسمسرة، ليتركه على الشاطئ وحده يعانى من برد الغربة وصقيع الرحيل المفاجئ الغادر، إكتشف حليم أن أحلامه قد تم إغتيالها وأن غناءه الوطنى كان مجرد كذبة كبيرة سرعان ماتم التضحية بكل معانيها، وإكتشف أيضاً أن جمهوره لم يعد يعترف بشئ إسمه المجهود والكفاءة والإتقان، فكل هذه الأشياء قد صارت فى عداد الأساطير والخرافات وجاء زمن الأغنية الساندويتش واللحن الحواوشى وهز الوسط وليس مس القلب والوجدان. ما أن بدأ عبد الحليم بالغناء فى ذلك الحفل حتى إنطلقت الصفافير وبدأ الرقص فى منتصف الصالة مما إضطره لترك الغناء للتفرغ لتنظيم الجمهور، وعندما فاض به الكيل صرخ فى هذا الجمهور المزيف الغريب قائلاً جملته الشهيرة والتى حذفت من التسجيلات فيما بعد "ماأنا كمان باعرف أصفر وأزعق !"، وصعد أثناءها إلى المسرح شخص من الصالة حاملاً معه بدلة عجيبة ذوقها متدنى وشاذ، كانت البدلة ذات ألوان فاقعه ومرسوم عليها أربع فناجين قهوة وكأن عبد الحليم يغنى إعلاناً عن البن البرازيلى لاقصيدة من أجمل ماكتب نزار !!!، والمأساة أن هذا الشخص كان مصراً على أن يرتديها عبد الحليم مما زاد من توتره. [لم يصدق عبد الحليم أن هذا هو جمهوره وتخيل أن المطربة وردة الجزائرية هى التى بعثت بهؤلاء البلطجية لكى يفسدوا حفلته، وظل حتى آخر لحظة من حياته مقتنعاً بأنها مؤامرة خلقها التنافس، وذلك الإقتناع نتج عن أنه لم يشك للحظة أو بالأصح رفض التصديق بأن رياح الزمن الردئ قد عصفت بكيان المجتمع وزلزلته من الداخل فتناثرت على شوارعه وبشره أوراق الخريف الذابلة. وبعدها تضخمت المأساة عندما سخر منه سيد الملاح فى وصلة تقليد مهينة على الهواء مباشرة، ونال تصفيق الناس حين نقل إليهم أن عبد الحليم صار عدوهم ويريد تأديبهم وضربهم بالعصا، وبالطبع صدم طفل الثورة المدلل وهو يرى نفسه بهلواناً فى التليفزيون وكان للأسف لم يعرف أن زمن البهلوانات قد دقت ساعته وحان أوانه وأن زمن القامات الفنية العملاقة قد ولى تاركاً المكان لليل الأقزام !، وتزامن فى هذا الوقت ومع كل تلك الفوضى سيطرة التيارات الدينية المتطرفة على قطاعات واسعة من المجتمع فى الشوارع والجامعات والنقابات وبالتالى على توجهات الفن الذى يمثل ألد أعداء هذه التيارات، وعندما غنى عبد الحليم ياولدى قد مات شهيداً من مات فداء للمحبوب، هاجت الدنيا وماجت وأطل ذوو الأفق الضيق والخيال المجدب العقيم من جحورهم ليحاولوا تحطيم تمثال عبد الحليم الذى نحتته أنامل البسطاء وأسكنوه حبات القلوب، ولم يكتفوا بذلك بل هداهم تفكيرهم الشاذ المنغلق المتربص وبتحريض من الغوغاء إلى أن يقنعوا الإذاعة والتليفزيون بحذف جملة من أغنية قديمة هى قدر أحمق الخطى من أغنية كامل الشناوى لست قلبى . توالت تلك الأحداث على العندليب الذى لم يستطع أن ينقلب إلى صقر، وأحس حليم بأن التجاعيد والبثور قد زحفت على وجه الوطن الذى صار غريباً عليه، وحاول أن يعافر ببضع أغنيات وطنية عند إستعادة الأرض ولكن هذه الأغنيات للأسف كانت قد خاصمت الصدق فى معظمها، وأصبح حليم ضيفاً بعد أن كان صاحب بيت، وصار طريداً بعد أن كان رمزاً، ومطلوباً من المتطرفين بعد أن كان مطلوباً من المحبين، ومتهماً بالتحريض على الكفر والفسوق بعد أن كان متهماً بالتحريض على الحب والعشق والغرام. ومات عبد الحليم منذ ذلك الحفل ولكن إعلان الوفاة تأجل إلى مارس 77 حين باغته نزيف دوالى المرئ فوجد جسده جاهزاً ومتهيئاً للموت من جراء نزيفه الداخلى السابق، نزيف الغربة والزمن المراوغ، جاءه الموت فوجده لابساً الكفن قبلها بعام وممدداً فى سريره القبر أو قبره السريرى، يشاهد موكب الحزن وعلى شفتيه إبتسامة حسرة فقد كان يتنبأ بزمن قادم، زمن شعبان عبد الرحيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر