الخميس، 17 أكتوبر 2013

أسباب وتداعيات اغتيال أنور السادات



صباح الثلاثاء السادس من أكتوبر تشرين الأول عام 1981 استيقظ السادات من نومه في الثامنة ونصف، وضع يده على جرس قريب من فراشه وضغط عليه لتبدأ طقوس الصباح، نظرة سريعة على صحف الصباح مع كوب من الشاي، التمرينات الرياضية التي تعقبها جلسة تدليك وحمام دافئ، استقبل بعض الاتصالات التلفونية التي لم تخرج عن التهنئة بذكرى يوم العبور ثم تناول إفطاره الأخير، في ذلك الصباح كان السادات رائق المزاج وكانت حالته الصحية جيدة للغاية هذا ما قاله طبيبه الخاص بعد أن أجرى الكشف اليومي عليه، بعد ذلك بدأ في ارتداء ملابس القائد الأعلى للقوات المسلحة، كانت هناك حلة عسكرية جديدة قد وصلته قبل أيام وكان السادات قد أشرف بنفسه على تصميمها مستوحيا خطوتها من الأزياء العسكرية لألمانية النازية وقد أضاف لها وشاح العدل ونجمة سيناء التي منحها لنفسه، لاحظت السيدة جيهان أن الرئيس ارتدى الحلية دون القميص الواقي من الرصاص فنبهته بذلك.

جيهان السادات- حرم الرئيس الراحل أنور السادات: قال لي يعني طيب افرضي الرصاصة جاءت لي في دماغي عيزاني ألبس حاجة على رأسي.. بالضبط كده فسكت، فأنا كنت نفسي إنه يلبسه وقعدت ألح يعني مش ما ألحتش ألحيت وهو يقول لي بلاش الكلام ده يا جيهان خليكي مؤمنة بالله لما بيجي اليوم ما فيش حاجة بتحوش.


صُنع ذلك القميص الواقي من الرصاص قبل زيارة القدس وعندما شاهد السادات شريطا مصورا لهذه الزيارة لاحظ أنه يبدو فيه أكثر بدانة بسبب ذلك القميص، في نفس الوقت جاءت مفاجئة أخرى يوم الاغتيال فالحلة العسكرية الجديدة جاءت ضيقة بعض الشيء فما عاد من الممكن ارتداء القميص الواقي إلا مع إحدى الحلل القديمة لكن السادات رفض تلك الفكرة، كان مصمما على أن يكون ظهوره في الاستعراض ناجحا بكل المقاييس، قُبيل فجر ذلك اليوم استيقظ خالد الإسلامبولي أو أنه لم ينم ولكنه قام وأيقظ أفراد وحدته وفي الثالثة ونصف ركبت الأطقم على عربات جر المدفع وتحركت إلى مكان الانتظار استعدادا للعرض.

عبد الحليم مندور- رئيس هيئة الدفاع في قضية اغتيال السادات: ورُتبت المسائل.. يعني ما أقدرش أجزم بأنها عمدا أو أنها مصادفة لكن هي ما تجيش مصادفة، رُتِبت المسائل في العرض بأن آخر كول يكون هو الكول اللي بيقوده خالد الإسلامبولي.


في تمام العاشرة كان الموكب أمام بيت الرئيس مستعدا للتحرك إلى ساحة العرض، نزل السادات درجات القصر، كان يبدو في أبهى صوره إلا أنه لم يأخذ معه عصى المارشالية التي اعتاد أن يحملها في مثل تلك المناسبات، كانت موضوعة على مائدة قرب باب الخروج لكنه لم يلتفت إليها ربما تعمد ذلك أو أن الأمر كان مجرد سهو لكن السادات ما كان أن لينسى أمرا يتعلق بنفسه وبمظهره على الإطلاق اعتبرت زوجته أن ذلك كان نذير شؤم.

أنيس منصور- كاتب صحفي: كلمت الرئيس السادات الصبح في يوم ستة أكتوبر فبيقول لي هتيجي تحضر العرض؟ قلت له لا يا ريس أنا هأخلص مجلة أكتوبر وإحنا هنسافر.. المفروض إن إحنا مسافرين في نفس اليوم رايحين منطقة وادي الراحة في سيناء، فقلت له يا ريس أنا مش هاجي وأتفرج على العرض العسكري وأنا هأبعت شنطي ميت أبو الكوم وبعد ما أخلص تكون حضرتك خلصت العرض العسكري والخطبة نتقابل في ميت أبو الكوم ونسافر مع بعض إلى سيناء، خلاص وكويس وقاعد أنا بأعمل المجلة وأمامي التلفزيون.

"
لاحظت أن الرئيس ارتدى بزته العسكرية دون القميص الواقي للرصاص فنبهته لذلك غير أنه رفض معتبرا أن الأجل إذا جاء لا يؤخره واقٍ
"
جيهان السادات


في الحادية عشرة ظهرا بدأ العرض العسكري وبدأ معه العد التنازلي لموت السادات، بدأ العرض دون أن يتم أي تفتيش على الأسلحة المستخدمة على الرغم من أن ثلاثة جهات منوط بها فعل ذلك، أمن الجيش ثم أمن المخابرات الحربية وأخيرا أمن الرئاسة وبذلك أصبح الطريق ممهدا أمام خالد وفرقته للوصول إلى الضحية، في ذلك اليوم حدثت واقعة لم يُكشف عنها إلا بعد سنوات من الحادث فكانت مفاجئة فجرت الكثير من علامات الاستفهام، ففي صباح يوم السادس من أكتوبر كان عدد من رجال أمن الدولة قد حصلوا على معلومات مؤكدة تتعلق بمخطط سيتم تنفيذه بعد ساعات بهدف اغتيال رئيس الجمهورية أثناء العرض العسكري مما يعني أن دائرة العارفين بخطة الاغتيال اتسعت أكثر لتضم عددا من رجال الشرطة.

سمير تادرس- كاتب وصحفي يساري: الدليل على ذلك ما هو منشور في كتاب فؤاد علام الإخوان وأنا، أهو.. في هذه الرسالة.. نص الرسالة صفحة 310، 311، 312 يقول لك إيه؟ فوجئت صباح يوم العرض ستة أكتوبر 1981.. ده كلام الضابط محمد إدريس رئيس مكتب مباحث أمن الدولة في منطقة شبرا الخيمة.. فوجئت صباح يوم العرض ستة أكتوبر 1981 بحضور أحد مصادري من العناصر المتطرفة لقد كان هذا المصدر الذي أفضل حجب أسمه من أنشط العناصر المُختَرِقة للتنظيم الجهادي وقد تم تجنيده بصعوبة وكنت أقابله في أماكن سرية للغاية بعيدا عن المكاتب أو أي مكان رسمي لذلك عندما فوجئت به في انتظاري أمام مكتبي تملكني الغضب وقبل أن ألومه أبلغني أن مندوبا من القيادة العليا للتنظيم مر عليه في الصباح الباكر وأبلغه أنه سيتم اليوم اغتيال الرئيس السادات وكبار المسؤولين أثناء العرض العسكري وسلمه مجموعة من الرايات السوداء عليها شعارات الدولة الإسلامية وأمره بالخروج بعد العرض بكوادره إلى الشارع للتظاهر وإعلان الدولة الإسلامية، ذُهلت من خطورة هذه المعلومات وطلبت منه تكرار ما دار بهذه المقابلة أكثر من مرة وانطلقت بسيارتي من مكتبي بشبرا إلى مقر الوزارة بلاظوغلي وأنا لا أكاد أرى وقابلت اللواء مطاوع وهتفت به هل أبلغت بالإخطار الذي أعطيته لك؟ فقال نعم، لقد أرسلت ضابط برتبة نقيب بخطاب سري للغاية للسيد اللواء فتحي أتي مفتش الفرع الموجود بالعرض وفجاءة دخل علينا النقيب الذي أرسله بالخطاب وهو في حالة يرثى لها، فلما سألناه في نَفَس واحد هل تم توصيل الرسالة للسيد المفتش أو وزير الداخلية الموجودين بالمنصة؟ ذكر أنه عانى كثيرا مع الشرطة العسكرية والحرس الجمهوري لكي يدخل أرض العرض أساسا ومُنع.

فؤاد علام- نائب رئيس مباحث أمن الدولة سابقا: حسب ما سمعنا من السيد نبوي إسماعيل في بعض أحاديثه في الفضائيات قال أنا ما وصلتنيش الرسالة، صحيح الفضائيات صورته وهو بيقرأ جواب في محاولة للإيحاء إن هو استلم إنما أنا لا أعرف استلمها أو لا، إنما حسبما سمعت من كل الضباط إنه ما استلمهاش، هذه كارثة إزاي لا يبقى في إمكانية الاتصال بالرجل الثاني أو الثالث في الدولة وخصوصا المسؤول عن الأمن في مثل هذه الظروف.

التقصير الأمني واللحظات الحاسمة


في الساعة الثانية عشرة وأربعين دقيقة وعندما كانت أنظار الحاضرين وعدسات المصورين تتجه إلى السماء لتراقب عرض طائرات الفانتوم حدثت المفاجئة التي شلت الجميع، بعد إحدى وثلاثين ثانية انسحب خالد وفرقته بعد أن طووا صفحة من التاريخ على مرأى ومسمع من العالم كله ولم تكن الذخيرة قد نفذت تماما من أسلحتهم.

عبد الحليم مندور: وأنا بأترافع قلت {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، فخالد بعد المرافعة قال لي أنت قلت الكلام هذا منين يا بابا.. هو كان يقول لي يا بابا.. قلت له من القرآن يا خالد، قال لي والله هو ده اللي حصل، أنا حطيت أيدي على الزناد بتاع المدفع وما شوفتش الدنيا خالص لغاية المدفع ما فضي في إيدي.
"
المنتمون للتنظيمات الجهادية يتسمون بالسطحية في التفكير وكذلك بالاندفاع الشديد والحماس
"
فؤاد علام


فؤاد علام: أبناء هذه التنظيمات بيتسموا دائما بعدة سمات من بينها السطحية في التفكير ومن بينها الاندفاع الشديد جدا هذه إحدى سمات أعضاء هذه التنظيمات، بالمفهوم ده أقدر أقول لك أن همّ نجحوا أنهم يحققوا عملية الاغتيال بالصورة دي لأنه بكل الحسابات لم يكن يتصور واحد أنهم هيفوتوا من كل هذه السياجات الأمنية وينجحوا في اغتيال رئيس الجمهورية.

حمدي عبد الرحمن: هي العملية لو يعني أعيد تكرارها مليون مرة لن تنجح.

جيهان السادات: حقيقي دي الشيء اللي قعدت أنا بعد الحادثة مش عارفة.. أنا وأولادي يعني مش أنا لوحدي وعمّالين نفكر إزاي دي تفوتهم إزاي؟ ده الولد اللي نزل الإسلامبولي نازل بجزمة كاوتش، مش بس كده.. يعني والعرض العسكري الطابور العسكري وبالذات في 6 أكتوبر بيمر بتفتيشات كذا مرحلة مش مرة واحدة، كذا مرة وعلى مراحل.

مصطفي خليل- رئيس الوزراء سابقا: لغاية النهارده فيه أمور غامضة عليّ.. يعني أنا لا أستطيع إني أتصور إن رئيس الجمهورية يبقى موجود وبعدين الحرس بتاعه اللي واقف أمام المنصة ما يكونش موجود.. يعني مش فاهمها لغاية النهارده.

النبوي إسماعيل- وزير الداخلية سابقا: هو بطبيعته شجاع وجسور ولا يهاب الموت، بطبيعته رجل مؤمن بدليل جم يلبسوه الصديري ما رضيش يلبسه، حذرته ما سمعش التحذير، جاء لما حصل ضرب وإطلاق النار الحرس نزله فيه أمامه ساتر خرساني موجود أخذ منه معظم الموجودين حماية وقاهم جم ينزلوه نفضهم بقوة وقام وقف يكلم الولد.

عبد الحليم مندور: وأخذ خالد المدفع بتاع حسين عباس وماشي وقال لي أنا كنت بأتمنى على الله إن واحد يضربني علشان أموت شهيد لأن أنا عارف إني هأتحاكم.. هأتحاكم وهأنشنق فتمنيت الشهادة بدلا وتبقى بيد الله مش بيد البشر فوهو ماشي ومعه مدفع حسين عباس لقى واحد ضابط ومعه ولد صغير ابنه فالضابط ساعة ما شافوه ومعه المدفع قال له ابني وشاور له على أبنه وقال له بتاع.. مش عارف إيه.. قال له ما تخفش مش هأعمل فيه حاجة، تفضل أمشي ما تخفش خالص، بيقول أنا يدوب خطيت أمامه خطوتين راح ضربني رحت.. أدي الضابط اللي كان مروّح مش كان بيدافع عن الناس.

النبوي إسماعيل: جاءت مجموعة مخابرات أميركية زي ما يحصل في أي دولة في العالم يحصل فيها حدث هام كبير بيروحوا بيشوفوا إيه يستفيدوا منه، قالوا لي ده إحنا لمّا تأتي إلينا إشاعات.. مجرد إشاعات مش معلومات عن تحرك إرهابيين في أوروبا لسه ما عدوش الأطلنطي وجم ناحيتنا بندي ريغن تحذيرات وبينفذها ويمتثل لها لأمنه، فما بال أنتم مش إشاعات ولا معلومات ده أدلة مادية وشريط فيديو قدمتوه له وما يسمعش كلامكم وتحذروه وما يسمعش كلامكم قالوا بالضبط كده (You was insisting to commit your side) ده راجل كان مُصِر على الانتحار، قلت لهم لا هو رجل مؤمن وإحنا في منطقتنا بنؤمن بالقدر وبمشيئة الله، هو رجل جسور وشجاع ولا يهاب الموت وتاريخه كله يؤكد هذا.

سمير تادرس: خاتمة الرسالة بيقول لك إيه؟ هذا ما حدث بالتفصيل للأمانة والتاريخ حيث ضاع ثلاث ساعات ثمينة بين التردد وسوء التصرف وضاعت معها حياة الرئيس السادات والعجيب.. ده بقى المهم أنه لم يحدث أي تحقيق في الموضوع بل وصل المسؤولون جميعا إلى أعلى المناصب، فوصل مدير مفتش الفرع إلى درجة مساعد أول وزير الداخلية ووصل مدير الإدارة إلى درجة سفير وأصبح الأمر مجرد ذكرى وأحيانا يصبح نادرة للتفكه والمساحة فقد اعتاد أحد السادة اللواءات بأمن الدولة وهو حاليا محافظ لإحدى محافظات الصعيد كلما رآني أن يقول كنت يا إدريس ستصبح وزيرا للداخلية وكلنا نشتغل عندك ولكن الله سلم ومات السادات، المقصود اللواء محمد حسن طنطاوي محافظ سوهاج حاليا.. هنا بيبان إن قضية اغتيال السادات لغاية النهارده مفتوحة لأن مثل هذا الكلام الخطير أن ينشر في مصر وفي مجلة زي روز اليوسف وإنه يصدر في كتاب لأحد قادة جهاز مباحث أمن الدولة ولا يتم التحقيق فيه ده يوضع علامة استفهام.

أبو العلا ماضي: ضابط يعرف أن رئيس الجمهورية سيُغتال بعد دقائق وهو في مربع.. في مسرح العمليات يبعد عنه كيلو أو أكثر من كيلو متر ولا يستطيع أن.. بأي طرف يقول له إن في كارثة هاتحصل وصلني بأي أحد حتى لو في جهاز آخر يبلغه هذه المعلومة.

عبد العظيم رمضان- مؤرخ وكاتب سياسي: تقصير جهاز الأمن المصري في عملية اغتيال السادات هذا ثابت ومؤكد وجهاز الأمن في ذلك الوقت يتحمل المسؤولية كاملة.


اعترف خالد الاسلامبولي ورفاقه في التحقيقات بأن غياب رد فعل سريع من رجال الأمن كان مفاجأة كبرى بالنسبة لهم، فقالوا إن احتمالات نجاح العملية كانت صفرا عندما اندفعوا من العربة لكن هذه الاحتمالات أخذت تتزايد وتتزايد كلما نجحوا في التقدم تجاه المنصة دون عائق.

عبد الحليم مندور: لما ركب الرئيس السادات أو ركبوه الطائرة كان حي على قيد الحياة وأرادت السيدة جيهان إنها تركب معه الطائرة منعوها قالوا لها لا وأخذوه ودوه المستشفى العسكري وحاولوا إنهم ينبهوا القلب ففتحوا فتحة علشان يدلكوا القلب.

أنيس منصور: أنا عندي أرقام سرية اتصلت ببعض الناس أعرف إيه اللي حصل ما فيش ما عرفتش أرقام التليفونات كلمت جهات مختلفة لحد ما واحد قال لي ده حد ضرب الرئيس في كتفه وناقلينه دلوقتي مستشفى القوات المسلحة ورحت على المستشفى فأحد الدكاترة قال لي ده الرئيس فوق، قلت له أطلع له، قال لي مش ممكن، قلت له هأطلع مش ممكن يعني إيه؟ هأطلع، هأطلع طبعا أنا سألت الرئيس.. نائب الرئيس حسني مبارك قلت له يا سيادة النائب خير يعني؟ قال لي إن شاء الله ربنا كريم، سألت النبوي إسماعيل، قال ربنا يستر.. طلعت طبعا شوفت الذي يعني يوجع القلب والعقل حاجة مؤلمة جدا وشوفت بقى البكاء والعويل أنا شوفت ممدوح سالم كان رئيس وزراء أنا لقيته بكى أنا ما شوفتش رجل بكى زيه إلا المستشار الألماني هيلمت شمت كان بيبكى في جنازة السادات لدرجة إنه لما رجع ألمانيا دخلوه الإنعاش.


في تمام الساعة الثانية وأربعين دقيقة أظهر رسم القلب عدم تسجيل أي نشاط وأظهر المخ توقفا كاملا تأكيدا لحدوث الوفاة، كانت إذاعتا لندن ومونت كارلو أول من أذاع الخبر، في الوقت نفسه ألعن راديو القاهرة أن عدة رصاصات أطلقت أثناء العرض العسكري في اتجاه المنصة وأن الرئيس السادات غادر المكان، لم تكن جموع الشعب المصري تعلم بوضوح شيئا عما يحدث في البلاد التفوا داخل بيوتهم حول أجهزة الراديو متوجسين خيفة مما قد تأتي به الساعات المقبلة من أخبار، ما هو حجم المتمردين؟ هل هي مقدمة لانقلاب عسكري؟ وهل هناك خطة لمؤامرة خارجية؟ ومَن الذي يمسك بزمام الأمور الآن؟ إلى أن جاءت الساعة التاسعة والنصف مساءا وظهر النائب حسني مبارك على شاشة التلفزيون وتنفس الكثيرون الصعداء.

محمد حسني مبارك- رئيس جمهورية مصر العربية: يعجز لساني وقد اختنق بما تموج به مشاعري أن أنعي إلى الأمة المصرية والشعوب العربية والإسلامية والعالم كله الزعيم المناضل البطل أنور السادات.

نزار سمك- ناشط يساري في السبعينات: أنا في اليوم ده روّحت البيت على الساعة 11 بالليل أو 12 وأنا متوقع إن ممكن يحصل قبض في أي وقت بالرغم إن إحنا ما لناش أي علاقة بموضوع الاغتيال لكن متوقعين إن ده أداء وزير الداخلية في أي مناسبة إلبس هدومك وتعالى معانا، وصلنا ليمان طرهأنا ما كنتش متوقع إن ممكن يكون في برضه مقدار هذا القدر من الرعب والارتباك.. يعني أول ما العربية قربت من باب السجن الحرس طلع وقف العربية بيطلب كلمة السر فقالوا إحنا جايبين ناس للسجن ما عندكومش تعليمات مش عارفين إن في ناس حتيجي؟ قالوا لا ما إحناش عارفين ومنعونا من إن إحنا نقرب من باب السجن.. منعوا العربية، يعني ففوجئت بناس يعني بدأت بقى.. كنت أول واحد تقريبا أنا واللي معي بنخش السجن في خلال نصف ساعة لقينا بقى عربيات كثيرة كل شوية عربيات تقف وتنزل ناس.


عندما فرغ سلاح خالد من الذخيرة أثناء العملية أخذ من حسين عباس سلاحه وأمره بالانصراف اندس حسين بين الناس وصار معهم حتى وصل طريق صلاح سالم فاستقل سيارة أجرة اتجه به إلى منزله في منطقة الألف مسكن وعندما تم القبض على المتهمين الثلاثة دون الأخير تصوروا أن زميلهم قد مات وهذا التصور جعلهم يترحمون عليه بالاسم أمام سلطات التحقيق التي اكتشفت بالصدفة وجود متهم رابع على قيد الحياة بعد يومين اقتحموا مسكنه وقبضوا عليه.


تقرير الوفاة.. وصدمة السادات في أبنائه

"
رغم إصابة السادات بخمس رصاصات منها ثلاث في مقتل، فإن السبب الأول الذي جاء في نص تقرير الوفاة كان نتيجة لصدمة عصبية شديدة
"
تقرير مسجل


جاء التقرير الطبي بمفاجأة لم يكن لأحد أن يتخيلها فرغم إصابة الرئيس السادات بخمس رصاصات منها ثلاث في مقتل، فإن السبب الأول الذي جاء في نص تقرير الوفاة الموقّع من 11 طبيبا متخصصا كان الوفاة نتيجة لصدمة عصبية شديدة. فهل مات السادات مصدوما في أبنائه الذين أرادوا اغتياله يوم عيده قبل أن يموت بالرصاص؟ لكن عملية اغتيال الرئيس السادات لم تكن إلا الشرارة الأولى لعملية أكبر بدأت مع صلاة عيد الأضحى، كانت الثورة الإيرانية نموذجا محتذى وكانت محافظة أسيوط نقطة البداية لانطلاق الشرارة الأولى للثورة الإسلامية في مصر، وذلك من خلال تحريك انتفاضة شعبية واسعة يقودها أمراء حركة الجهاد في المحافظات، ففي صباح يوم الخميس 8 أكتوبر/تشرين الأول 1981 انفجرت أحداث دامية سقط فيها مئات القتلى من الفريقين.

منتصر الزيات- محامي الجماعة الإسلامية: لأن التكليفات صدرت للمجموعات في مختلف أنحاء الجمهورية في قيادة التنظيم في المحافظات أن ارقبوا قتل السادات على شاشة التلفاز يوم 6 أكتوبر ولما تشوفوا اللي حصل ده حاولوا تسيطروا على مقر الحكم في كل محافظة.

أبو العلا ماضي- قيادي سابق في الجماعة الإسلامية: فكرة كرم زهدي القديمة عن إحداث التغيير، قال دي لحظة مناسبة نبدأ نستولي على المحافظات لينطلق منها على القصر الجمهوري في عابدين كما كان يقول في السابق، فبدأ من أسيوط وجمع الناس بالليل.. بعض مجموعات الشباب.. بكره ستقوم الدولة الإسلامية والتغيير سيحدث وكان معهم قطع سلاح عدد قليل كل مجموعة من المجموعات معهم مثلا طبنجة أو حاجة زي كده أنا على ما أذكر هم قطعتين آليتين وخمس طبنجات هم كل الأسلحة اللي بدؤوا بها وقال لك هنهجم على أماكن سلاح نستولي عليها من السلاح اللي كان في مديرية الأمن ومن أقسام وكده وبدؤوا العمليات بالهجوم على بعض الأماكن زي حادثة الثلاثة عربيات أمن مركزي اللي كانت عند مسجد ناصر، قسم أول، قسم ثاني، مديرية التموين، مديرية الأمن ونجحوا في دخول مديرية الأمن وضربوا الضابط العظيم اللي كان مسيحي عميد اللي كان موجود بدفعة رشاش فصلت رأسه عن جسمه لدرجة إنه تصوره في الأول إن ده ضربة سيف إنها فصلت تماما.

فؤاد علام: اتعمل كردون على مدينة أسيوط ككل واتعمل كردون على المدن الرئيسية اللي معروف إن فيها مراكز نشاط لهذه.. في الكردون استخدم الأمن المركزي من أوله لآخره وحوصرت وتقريبا أجرى تفتيش دقيق جدا كان من ثماره القبض على أكثر من مائة وخمسين واحد من قيادات هذه التنظيمات، دول لما استجوبوا أعطوا معلومات أوسع وأدق عن أماكن بقيت أعضاء التنظيمات وأوكارهم.. يعني كان في صراع مع الزمن وربنا سبحانه وتعالى في النهاية هو اللي وفق في إنه كنا في أول نوفمبر مطمئنين بنسبة كبيرة جدا إن إحنا نجحنا وإن إحنا فعلا نعمل هذا الاستقرار.


كان عندكم مخطط للحكم يعني لو استوليت الحكم تعرفوا تديروا البلد إزاي ومين هيتولى إيه ومين إيه؟

حمدي عبد الرحمن- عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية: لا إحنا ما كنش.. إحنا نفسنا ما كناش هنقوم على الإدارة كان ممكن الاستعانة بناس لهم اتجاهات إسلامية يقوموا على إدارة ويكونوا برضه ذو خبرة.


ولو اختلفتوا معهم؟

حمدي عبد الرحمن: إحنا لو اختلفنا معهم مش..


بعد ما يحكموا لو اختلفتم معهم كنتم هتعملوا فيهم إيه؟ لأن المشكلة ما كنش فيه مخطط فعلا.

حمدي عبد الرحمن: ما كنش في مخطط..

كمال حبيب- أحد مؤسسي جماعة الجهاد: كان مثلا من ضمن الأشياء إن الحركة الإسلامية بشبابها اللي كان عمره مثلا.. يعني عمره مثلا كان في حدود دون الثلاثين كلهم، إنها غير قادرة على تحمل مسؤولية دولة، يعني أنت واخد بال حضرتك إزاي ومن ثم كان الواحد بيحمد ربنا إن لم يقدّر للمسألة أن تكتمل وتتحمل مسؤولية دولة وإنك تطرح نموذج إسلامي وفي الحالة دي كانت هتحصل مهازل كبيرة جدا.

فؤاد علام: لو كانوا وصلوا للإذاعة واستولوا على التلفزيون وأذاعوا البيان الإسلامي الأول بالتأكيد كانوا هينجحوا في الوصول إلى الحكم على الأقل لفترة، ما أقدرش أؤكد لك إيه اللي كان هيحصل وكان هيبقى رد فعل القوات المسلحة إيه أو رد فعل الأجهزة الأمنية الأخرى إيه إنما على الأقل لفترة كانوا هيسيطروا على الحكم لأنه نحن نعرف إنه كان فيه حالة.. يعني شحن شديدة للمواطن المصري في هذه المرحلة وكان فيه ضيق من أمور كثيرة وكان يعني فيه نوع من التمزق النفسي بيعاني منه المواطن المصري.. كانوا هيتجاوبوا مع هذه الحركة أنا أعتقد آه لأنه إحنا بحكم أننا عاطفيين من الناحية الدينية فكنت أتصور إنه لما هيذاع البيان الإسلامي الأول وهتطلع مجموعات من المساجد بالتأكيد كان هيبقى في حركة شعبية.


بعد أيام قبض على عبود الزمر عُثر عليه مختبئ في أحد أحياء منطقة الهرم بعد اشتباك عنيف راح ضحيته أحد جنود الأمن وبذلك وصل عدد أعضاء التنظيم المقبوض عليهم إلى ثلاثمائة متهم واثني وأصبح كل سكان قفص الاتهام من أعضاء التنظيم يتباهى باشتراكه في عملية الاغتيال، اعترفوا بأن التشكيل الذي تمخض عنه حادث المنصة كان مزيج بين حركة الجهاد وبين الجماعة الإسلامية في صعيد مصر، لكن هناك رأي آخر يؤكد أن عملية اغتيال السادات كانت مجرد حادث فردي فخالد الإسلامبولي صاحب الفكرة والعقل المدبر لها لم يكن عضوا في الجماعة الإسلامية ولا في تنظيم الجهاد.

أبو العلا ماضي: مقتل السادات لا يُنسب للجماعة الإسلامية ولا لجماعة الجهاد، لأنهم كانوا يتباهوا بأنهم قتلوا السادات والحقيقة هم لم يقتلوا السادات، الذي فكر.. الموضوع مشروع فردي، خالد الإسلامبولي كان مشروعا فرديا لم يكن عضوا في الجماعة الإسلامية، لكن عَرَض على أفراد وعلى مجموعات منهم عبد الحميد المتهم الثاني ما كنش عضوا كان ضدهم والمجموعات هذه أو الشخص اللي عرض عليه محمد عبد السلام فرج عرض على المجموعة وساعدت فما أقدرش أقول إن الفكرة بتاعتهم أو إنهم لوحدهم أصحابها يتحمل مسؤوليتها بقدر ما اشتركوا فيها لكنه.. وده اللي خلى.. أنا كنت بقول دائما كانوا بيغضبوا بعضهم، كنت بقول ليست فكرة.. لم تكن مقتل السادات فكرة الجماعة الإسلامية لكن فكرة خالد الإسلامبولي ابتداء.

عبد العظيم رمضان: ثأره.. الثأر بتاعه مع السادات إنما مش مع النظام، الجهاد ثأره مع النظام.. أخذت بالك عايز يشيل نظام الحكم العلماني ده ويجيب بدله نظام إسلامي، إنما ده ثأره مع مين؟ مع السادات ولذلك قتل السادات، الله ده كان جنب منه الرئيس مبارك، الله ده مش كده؟ ده رموز الحكم كلها كانت موجودة في ذلك الوقت ده دليل على إنه بعيد كل البعد عن تنظيم الجهاد، حتى إنه ما بيعتنقش حتى فكر الجهاد نفسه الاعتناق الكامل لأن فكر الجهاد إقامة حكومة إسلامية وحكومة إسلامية هتيجي إزاي إلا لما يشيلوا كل أساطين الحكم اللي موجود ما فكرش يتخلص منهم.

منتصر الزيات: القول إنها كانت عملية خاصة بعيدة عن باقي كوادر التنظيم أنا أعتقد إنه قول غير صادق، بلاش غير صادق غير دقيق، ممكن يكون القرار الذي صدر للمجموعات والمحافظات مش متفق عليه.. جائز، لكن بصفتي شاهد عيان وأنا كنت في ذلك الوقت هارب وشاركني هذا الهرب الأخ رفاعي طه قيادي الجماعة الإسلامية البارز والأخ مجدي سالم قيادي الجهاد البارز في الوقت ده كنا حاجة واحدة التقسيمات دي ما كانتش موجودة، كنا هربانين، كنا مختبئين في محافظة أسوان ذلك الوقت وحضر إلينا أحد الأشخاص بهذا التكليف إن السادات حيقتل في يوم 6 أكتوبر وكل مسؤولي محافظة يتصرفوا.

جنازة مهيبة ومحاولات فاشلة لنسفها


حُدد يوم السبت العاشر من أكتوبر لتجرى فيه مراسم جنازة الرئيس السادات، صباح ذلك اليوم خيم الصمت على القاهرة وخلت شوارعها إلا من رجال الشرطة، طائرة مروحية نقلت الجثمان من المستشفى إلى ساحة العرض وفي الثانية عشرة إلا الربع وفي نفس توقيت وقوع الحادث وفي المكان ذاته بدأت طقوس الجنازة وسط إجراءات أمن صارمة وترقب شديد، حضر إلى القاهرة مجموعة من رؤساء أميركا السابقين بينما رفضت المخابرات الأميركية اشتراك الرئيس رونالد ريغن لدواعي أمنية، جاء الوفد الإسرائيلية برئاسة مناحم بيغن وكان جعفر نميري هو الرئيس العربي الوحيد الذي شارك في الجنازة، اعترف عبود الزمر أنه كانت هناك محاولتان لتفجير موكب الجنازة فقد كان بالنسبة له وجبة أشهى من المنصة لكن إجراءات الأمن المشددة حالت دون التنفيذ.

تسجيل صوتي: من أجل كل ذلك فإننا نختر ترشيح السيد محمد حسني مبارك لمنصب رئيس الجمهورية.


القدر الهائل والغير منطقي من المصادفات والثورات التي تهيأت لعملية اختراق المنصة والسهولة الشديدة في تنفيذ الاغتيال أمور تدعو لا شك إلى الدهشة، مما دفع البعض لتبني نظريات التآمر الخارجي أو تواطؤ الجيش، فهل هذا صحيح أم أن الأمر كان مجرد قصور أمني؟ وكما قال تشرشل تأتي المشكلة من تراكم الهفوات.

أبو العلا ماضي: قد يكون مفاجأة بس أيضا مسألة الكفاءة، الحراس الشخصيين في موقع العمليات في التعامل مع المهاجمين لحد ما يطلع ويزيح برجله ويقلبه على الأرض ويختار لا بلاش أنت.. ابعد أنت.. أنا عايز ده.. الأسماء ما من القيادة اللي كانت موجودة في ذلك الوقت وما فيش أي درجة من درجات المقاومة يعني قد تكون مفاجأة واحدة منها بس لا تصل إلى حد..

عبد الحليم مندور: كانت النتيجة إن المنصة كانت لم تبدي أدنى مقاومة لهؤلاء الأشخاص اللي نازلين وهمّ عارفين انهم هيستشهدوا وهيلقوا مقاومة شديدة جدا وإلى آخره لأن الرئيس بيُحرَس بخمسة حراسات.

جيهان السادات: همّ القناصة كل سنة بيبقوا موجودين يعني ودا دورهم وبالعكس الصاعقة بتلف وبتيجي أمامهم.. لا هو اللي قال له ما تقعدش قدام كان في ضابط من ضباطنا إحنا الحراسة واقف كده فقال له أتأخر كده يعني ما تقفش.


مين المسؤول عن تأمين المنصة؟

النبوي إسماعيل: أنت هتدخل بقى في حاجات أنا ما أحبش أتكلم فيها، أنا المنصة.. منطقة المنصة بأدخل زي ما قلت مائة مرة وأنت عارف وسمعت وقرأت إن أنا بأدخل مدعو زي أي وزير دي بتعتبر منطقة عسكرية حربية، أنا بأدخل مدعو زي أي وزير ما عنديش فكرة عن خطط الأمن اللي داخلها ولا نظامها ولا حاجة أبدا.

فؤاد علام: فيه سلبيات وسلبيات.. يعني وأنا من المطالبين بضرورة التحقيق في هذه السلبيات واتخاذ إجراء حاسم فيها حتى لا تتكرر مرة أخرى، إذا كان هناك مسؤول أخطأ بإما عن جهل أو تراجع أو عن تساهل أو.. المفروض إن هو يحاسب.

أبو العز الحريري- عضو مجلس الشعب ويساري: المؤامرة واضحة وأنا شخصيا أوجه اتهام للنبوي إسماعيل بإنه كان جزء من عملية مخططة الأميركان لهم دور فيها لأنه في بعض الوقائع كانت سابقة عن الاغتيال كانت من وجهة نظر الأميركان إنه الرئيس السادات دوره قد انتهى ويجب استبداله ولكن الاستبدال في مصر لأنه لا يتم إلا بالوفاة ومادامت الوفاة الطبيعية تأخرت فلتكن الوفاة بأيدي قتله مسموح لهم والسماح هنا معناه إنك تمرر فعل القاتل.

حمدي عبد الرحمن: لا أنا حاضر طبعا الموضوع من الألف للياء.. يعني فأستطيع أن أؤكد إنه ما كانش فيه لا مؤامرة ولا مساعدة من أي جهة سواء في الداخل أو الخارج.. يعني ما كانش فيه تواطؤ مثلا من الجيش أو المخابرات أو حد في السلطة لأن ما كانش فيه التواطؤ أو حتى ذلك ولا من الجهات الأجنبية.

النبوي إسماعيل: ما قد يحاول البعض إنه يلمح به أو يوحي إليه أو حاجة إن كان فيه تسهيل من الداخل دا 100% مش موجود.

أبو العز الحريري: ثم أنا بسأل سؤال أين الذين كانوا مسؤولين عن هذا الحدث؟ لم يكن النبوي إسماعيل وحده هو المسؤول، همّ فين وليه ترقوا كلهم وليه باقوا في مناصب ثانية ولمَ لم يحاكموا؟

جيهان السادات: يعني مش عارفة الأمور مشيت إزاي؟ وليه لم يحاكَموا؟ وليه القائد بتاع الوحدة دي مثلا لم يحاكَم إنه إزاي يتسرب عنده ناس من بره ويدخلوا كده لكن ده مش شغلي أنا.

أبو العز الحريري: هذا لغز إذا ما كانش هيكشف النهارده هيكشف بعد فترة وأعتقد إنه لما هيبان النتيجة ما هتبقاش كويسة بس للأسف الشديد القتلة الحقيقيين هيكونوا ماتوا.

"
استطاع الدفاع عن المتهمين أن يحول المحاكمة إلى حلقة جدل فقهي حول مفهوم الحاكمية في الإسلام عندما أرادوا إثبات أن عملية اغتيال السادات كانت قصاصا شرعيا من حاكم كافر مهدور دمه شرعا
"
تقرير مسجل


في نوفمبر عام 1981 بدأت محاكمة قتلة السادات، أربعة وعشرون متهما قدموا إلى محاكمة عسكرية تبرع بالدفاع فيها أكثر من ثلاثين محاميا كان من بينهم أقباط ويساريون.

عبد الحليم مندور: اللواء سمير فاضل كان قاضي فاضل وأي قاضي مطرحه في ظروف مقتل رئيس جمهورية ما كانش ممكن يعطينا أكثر مما أعطانا سمير فاضل، كنا بنقول اللي إحنا عايزينه وبنترافع بما نشاء وكل شيء.. كل ما في الأمر أن المحكمة كانت في منطقة عسكرية يعني نائية في داخل الجبل وكنا بنضطر نركب عربية خاصة.. عربية عسكرية خاصة وندخل جوا وبتاع إنما من حيث الضمانات إحنا لم نمنع من إننا نقول أي حاجة إلا هي واقعة اللي ما رضيش يسمع فيها مسألة إقامة الحد على رئيس الجمهورية.

منتصر الزيات: الحقيقة إن المحامين في وقتها اللي كانوا شاركوا في الدفاع سواء عن قتلة السادات في القضية العسكرية أو في قضيتنا قضية الجهاد.. كانت بانوراما، كثير من هؤلاء المحاميين جاؤوا يصفوا خلافاتهم السياسية مع السادات، كنا بنسمع في المحكمة دفاع لا إدعاء ضد السادات وليس دفاعا عنا.


استطاع الدفاع أن يحول المحاكمة إلى حلقة جدل فقهي حول مفهوم الحاكمية في الإسلام عندما أرادوا إثبات أن عملية اغتيال السادات كانت قصاصا شرعيا من حاكم كافر مهدور دمه شرعا وتحولت محاكمة المتهمين بقتل السادات إلى محاكمة للسادات نفسه.

عبد الحليم مندور: الخروج على الحاكم مسألة مش سهلة والشعب لا يخرج على حاكم إلا مضطر وبضوابط شرعية صارمة لأن الخروج على الحاكم قد يؤدى إلى فتنة اشد من فتنة عدم الحكم بما أنزل الله، يؤدى إلى حرب أهلية مثلا، يؤدى إلى.. وأنا ما كنتش بأدعو إلى الخروج على الحاكم أنا كنت بأقدم المبرر اللي سألني فيه عضو اليمين

أبو العلا ماضي: كرم زهدي ساعتها أنا قابلته أيضا في السجن وقال بلغ الناس عني أنا يسامحوني وأنا مش موافق ومتضايق مما جرى، كان هو عنده إحساس أنه هيأخذ إعدام ومقبل على الموت فبيرسل رسائل إيجابية لمن هم في الخارج لمن يتابعون الأمر يعني وهو قال أنا أفتيت بصيام ستين يوم اللي هو كفارة القتل الخطأ وصاموا فعلا بس كانوا يخبوا الخبر وكان بعضهم بيقعد يناقش وبيحتج على اللي حصل فكان بيسكتوا كرم وبيقول له يعني ما تتكلمش يا فلان ده أنا وأنت هنأخذ.. هنطلع لفوق مع بعض يعني هنأخذ إعدام.


لكن المفاجأة الكبرى التي أدهشت الجميع جاءت يوم جلسة النطق بالحكم في قضية تنظيم الجهاد المتهم بمحاولة قلب نظام الحكم، ثلاثمائة متهم واثنان لم يحكم على أي منهم بالإعدام بينما حكم لعدد مائة وواحد وتسعين منهم بالبراءة.

حمدي عبد الرحمن: القاضي نظر للدافع وراء الأحداث اللي هو سماه دافع نبيل يعني.

كمال حبيب: ويعتبر هو حكم، حكم مخفف المادة 42 دي.. يعني المفروض مثلا أنا كنت أخذ إعدام مثلا لكن هو استخدم حكم مخفف لجميع الناس ولم يعطي ولا واحد إعدام.. يعني فيما كان يعتبر يعني نوع من المخالفة أو يعني الناس كانت متوقعة حتى إحنا نفسنا كنا متوقعين مثلا يبقي في خمسين ستين إعدام مثلا.


في سجن الاستئناف صباح يوم الخميس الخامس عشر من إبريل عام 1982 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في كل من عطا طايل حميدة رحيل، عبد الحميد عبد السلام عبد العال، محمد عبد السلام فرج وفي الصباح ذاته نقل الملازم أول خالد الإسلامبولي والرقيب حسين عباس من السجن الحربي إلى ميدان ضرب النار، رفض خالد أن يضع العصابة السوداء على وجهه دقت الطبول فصوب الجنود بنادقهم على القلب المرسوم فوق سترة الإعدام وأطلقوا النار وفي إيران أطلقوا أسمه على أحد شوارع العاصمة تخليدا لذكراه وفي صباح الخامس عشر من يوليو تموز عام 2003 بعض مضى اثنين وعشرين عاما على يوم الاغتيال استيقظ الشارع المصري على تصريح في صدور صحف الصباح لزعيم الجماعة الإسلامية كرم زهدي من داخل سجن العقرب شديد الحراسة والذي فجر فيه مفاجأة بقوله إن السادات مات شهيدا في قتال فتنة وأنه لو عاد به الزمان ما أشترك في قتله.

كمال حبيب: ده كلام، كلام كرم زهدي واخد بال حضرتك وكلام معمول.. يعني فيما أتصور أن هو يعني جزء من ضغط أمني عليه وأعتقد إن هو حتى مخالف للحركة الوطنية كلها.

فؤاد علام: أنا في لقاء شخصي بيني وبينه ولقاء آخر بيني وبين عبود الزمر بقول لك لأول مرة إنه هذه الفكرة كانت في ذهن كرم زهدي من سنة 1981 من وقت اغتيال السادات.

حمدي عبد الرحمن: أه بينا وبين نفسنا كانت في مراجعات بس أخذت وقت طويل لأن كان الحاجات اللي إحنا عملينها دي كانت تعتبر ثوابت لا يستطيع أي إنسان أنه يقترب منها فإحنا كنا بنقترب بالتدريج.. يعني نشتغل فيها شوية ونبطل شوية لما نلاقي التيار اللي ضدنا عالي.


لكن ذاكرة الشعب المصري التي حوت مشهد اغتيال السادات وظلت تسترجعه طوال أربعة وعشرين عاما لم تعد تستسيغ بسهولة تلك الفتاوى التي توزِع على الناس ألقاب الكفر والشهادة والتي تنتقل بهم من أعلى مراتب الجنة إلى أحط دركات الجحيم.

أبو العلا ماضي: الذين فسروها سياسيا مصدومين لكن طبعا الذين فسروها دينيا لن يكونوا مصدومين لأنه أصلا فعل كان خطأ من أول لحظة.

ضياء رشوان- خبير الحركات الإسلامية: الشيخ كرم زهدي يعاني كما يعاني قادة الجماعة الآخرين من عدم الثقة في تحولاتهم وفي بعض الأحيان البحث عن الثقة يدفع إلى الجنوح في بعض التقويمات، أظن أن الشيخ كرم زهدي كان يمر بهذه الحالة، قائد في السجن يشعر أنه يقوم بعمل كبير، يقود جماعة كبيرة، أحدث تحولات مهمة، هذه التحولات حتى الآن غير مصدقة في أوساط كثيرة، فماذا يفعل لكي يؤكدها؟ ينتقى أكثر النقاط حرجا فيما يتعلق بالتحول وهي قتل لرئيس سابق فيقول أن هذا الرئيس ليس كافرا كما كان يقول قبل ذلك لكنه شهيد وبالتالي هو ذهب إلى آخر المدى ولا يوجد شيء بعده يقوله.

أبو العلا ماضي: بس ده الذي جعل أطرافا أخرى تقول الله ده بيفقدوا الرصيد السياسي اللي بنوا على أساسه سمعتهم أنه إحنا أحدثنا أهم حدث في التاريخ الحديث اغتلنا الرئيس السادات الذي فعل كذا وكذا وبدؤوا يحملوها تحميلات لم تكن في ذهن فاعليها ولم تكن جزء من تفكيرهم.

فؤاد علام: الجماعات دي أنا النهارده أجزم أنهم صادقين فيما يعلنوه الآن.

كمال حبيب: لكن برضه يبقي رأيي الآن أنه لو عادت الظروف بالوضع وبتاع لن أقول أن السادات شهيد أو لن أقول أن السادات كان لا يستحق القتل.

منتصر الزيات: الذين قتلوا السادات أعدِموا إرادة الله أن يعدَموا وأن يفوزا بالشهادة.. يعني نصفها بهذا، هم شهداء الذين قتلوا السادات، أحسبهم هكذا، إرادة الله تجرى على كل حال وعلى كل الخصوم وقتيل في الجنة وقتيل في النار.

محمد أنور السادات: لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معا ونتباهى 

بما حققناه في أحد عشر يوما من أهم وأخطر بل أعظم وأمجد أيام التاريخ.

                                                                                    المصدر: الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر