جمعت بين الموسيقار فريد الأطرش والزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر علاقة جد خاصة لاتقل أواصرها متانة عن تلك العلاقة التي ربطت الريس بالسيدة أم كلثوم ، فلقد ذكرت كثير من المصادر أن الرئيس جمال عبد الناصر كان من أشد المعجبين بفن فريد الأطرش ، وذكر الإعلامي المخضرم وجدي الحكيم وهو يحكي لمجلة الكواكب عن علاقة عبد الناصر بعملاقي الأغنية العربية عبد الحليم و فريد : أن عبد الحليم كان من الذكاء بحيث أقنع كل الناس بأن عبد الناصر يحبه ، ويقف إلى جواره ولكن الحقيقة كانت مختلفة تماما فعبد الناصر بطبيعته وشخصيته وأسلوب حياته كان ميالا لفن فريد الأطرش وأول من نبهت حليم لهذا الفنانة نادية لطفي التي كانت متزوجة في وقت من الأوقات من شقيق حسن صبري ، وبالتحديد قالت للعندليب : خلي بالك الراجل الكبير مش معاك إنما مع فريد الأطرش وأولاده هم اللي بيحبوك .
وإذا وضعنا شهادة وجدي الحكيم جانبا ، فإن كثير من المواقف من الطرفين معا تنبىء عن التقدير الكبير الذي يكنه كل طرف للآخر .
ولا تذكر المصادر التاريخية متى وكيف بدأت علاقة الرجلين ، إلا أن أول محطة وثقت لها المصادر أسالت الكثير من المداد وحبكت حولها الأساطير؛ ففي مطلع عام 1955 أنهى فريد الأطرش فيلمه السادس عشر عهد الهوى وكان من عادته أن يحضر العرض الأول إلا أن ذبحة صدرية داهمته وألزمته الفراش وأصبح مستحيلا أن يحضر افتتاح الفيلم الذي كان مزمعا أن يقام بسينما ديانا يوم 07 فبراير 1955 ، وتقول الرواية الرسمية أن الرئيس جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة حضروا العرض الأول لأن فريد تبرع بإيرادات هذا العرض لمشوهي الحرب حسب رواية ولضحايا سيول قانا حسب رواية ثانية ، أما الأسطورة فتقول أن فريد الأطرش أمسك القلم في مستشفاه وكتب للرئيس جمال عبد الناصر قائلا لقد عودت جمهوري أن أحضر في افتتاح أفلامي وأريد من سيادتكم الحضور نيابة عني واستقبال جمهوري ، ويحكي شقيق الموسيقار فؤاد الأطرش أنه اعتبر هذا التصرف من فريد جرأة وجنون وتوقع اعتقالهما وترحيلهما ، إلا أن عبد الناصر في لفتة إنسانية تدل عن تقدير كبير للموسيقار حضر العرض وقال لفؤاد الأطرش في مدخل السينما خلو بالكم من فريد ذا قيمة كبيرة وهوليس شقيقك وحدك ولكنه شقيق كل مصري ، ولما وصلت أصداء تشريف عبد الناصروالنجاح الكبير للعرض نسب إلى فريد قوله ممكن يجيبوا أي واحد بدل عبد الناصر ولكن مافيش غير فريد أطرش واحد ، الغريب في هذه الحكاية المجنونة أن الأسطورة تحكي أيضا أن هذا الكلام وصل إلى عبد الناصر فعلق قائلا : هذا ليس تقليلا من السياسيين ولكنه ثقة الفنان في نفسه ، ومن طرائف هذه الواقعة أن أحد الصحفيين الذين سمعوا كلام فريد نقلوه لعبد الحليم فعلق قائلا : مغرور حبيبي كثير .
المحطة الثانية التي وطدت علاقة الرجلين حسب أبحاثي المتواضعة كانت في 13 أكتوبر من عام 1955، حين استقبل الرئيس جمال عبد الناصر فريد بمكتبه حيث قدم له الموسيقار شيكا بمبلغ 300 جنيه مساهمة منه في تسليح الجيش المصري .
ولم يتوقف عطف جمال عبد الناصر على فريد الأطرش عند هذا الحد ، فأثناء تصوير فريد لفيلمه الخروج من الجنة أواسط الستينات استدعى مرضه السفر إلى الخارج ، وكان السفر للخارج حينها يتم بخطاب مغادرة يستخرج من مجمع التحرير وكان فريد يجد صعوبة في استخراج هذا التصريح للعراقيل البيروقراطية فأرسل إلى عبد الناصر الذي منحه إسثتناء من الحصول على هذا الخطاب كلما أراد السفر بينما بقي هذا الإجراء ساريا في حق كثير من كبار الفنانين المصريين ، ولم يكرر عبد الناصر هذه المعاملة تقريبا إلا مع السيدة أم كلثوم حين منحها جواز سفر دبلوماسي بعد حفلاتها في الاولمبيا في نوفمبر 1967 .
ولقد كان فريد الأطرش حاضرا باستمرار في بعض أفراح ومناسبات عائلة عبد الناصر ، فتحكي بعض المصادر أنه أحيا مع آخرين حفل زفاف الدكتورة هدى جمال عبد الناصر عام 1965 على زميلها حاتم صادق وغنى في هذا الحفل مفقودته الوطنية الليله ياريس لبسنا العرب طرحة المجد.
ويبقى أكبرموقف سجله الزعيم جمال عبد الناصر تعبيرا منه لتقديره لفريد الأطرش هو بمناسبة الخلاف الشهيربين حليم وفريد حول إحياء حفلات شم النسيم في عام 1970 فقد أصر كل منها على الغناء في ليلة شم النسيم واحتار الإعلام فريد يغني في حفلة أضواء المدينة متبرعا لعمل خيري كبير وعبد الحليم سيقدم في سينما ريفولي أغنيتين جديدتين ، وحلت المشكلة إذاعيا فتقرر أن ينقل البرنامج العام حفلة فريد وتنقل إذاعة صوت العرب حفلة عبد الحليم ، وبقي النقل التلفزي المباشر معلقا ، في غضون ذلك وقبل أيام من الحفلة أحيا عبد الحليم حفلة زفاف ابنة السيد عبد اللطيف البغدادي عضو مجلس قيادة الثورة وكان عبد الناصر موجودا في تلك الليلة ، وقبل أن يغني عبد الحليم استدعي لمقابلة جمال عبد الناصر، وأسرع عبد الحليم سعيدا، لكنه صدم .فقد سأله .. الرئيس عبد الناصر : إيه الدوشة اللي إنت عاملها مع فريد دي يا عبد الحليم ؟ وفوجيء عبد الحليم بالسؤال ولم يكن أمامه إلا أن يرد فقال : ياريس ..فريد ..وقبل أن يكمل كلامه ، قاطعه الرئيس عبدالناصر : الأستاذ فريد . ولم يضف عبد الحليم كلمة لكن عبد الناصر أردف بأنه أمر أن يذيع التلفزيون والبرنامج العام حفلة الأستاذ فريد وسوف يسجل التلفزيون حفلة عبدالحليم ويذيعها صوت العرب على الهواء ثم تذاع حفلته في التلفزيون في اليوم الموالي
حزن عبد الحليم لأن الموقف الرسمي ممثلا في الرئيس جمال عبد الناصر انتصر لغريمه فريد، الذين برروا موقف عبد الناصر قالوا إنه انتصر لأقدمية فريد على عبد الحليم وللأصول التي تقتضي أن يقدم الأقدم على الأحدث ، إلا أن عبد الناصر إنما أراد أن يعيد لفريد اعتباره بدليل أنه صبيحة يوم حفلة شن النسيم هذه أعلن الإعلام الرسمي أن الرئيس جمال عبد الناصر أنعم على فريد الأطرش بقلادة النيل التي فرح بها فريد أيما فرح وغنى في تلك الليلة كما لم يغن في حياته شدى بأزليته الربيع وسنة وسنتين التي اختزل فيها كل أشجانه تجاه مصر .
شهور قليلة بعد الالتفاتة الناصرية الكبيرة سيغيب الموت فجأة الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر يوم السبت 28 سبتمبر 1970 ، وسيحس فريد الأطرش أنه تيتم مرة أخرى وأن فاجعة ثالثة حلت به بعد وفاة أمه قبل سنتين وقبلها بعقود توأم روحه أسمهان ، ولقد وثقت الصحافة الفنية آنذاك لزيارته لضريح عبد الناصر حيث وضع إكليلا من الزهوروقبل القبر وبكى طويلا على شاهد عبد الناصر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.