الأحد، 15 سبتمبر 2013

يوم النصر العظيم وتحطيم أسطورة خط بارليف

 قامت قواتنا المسلحة بعبور قناة السويس واجتياز الساتر الترابى واقتحام خط بارليف، سالت دماء الأقباط جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين لتحرير تراب مصر من الاحتلال الإسرائيلى، فوطنية الأقباط لا تحتاج لمن يزايد عليها لأن حبهم برهنوا عليه على مر التاريخ بسفك دمائهم الذكية حبًا فى تراب مصر العظيم.. الأكثر من ذلك أن هناك من الأقباط من قدموا عقولهم لخدمة هذه الحرب العظيمة، فعلى الرغم من أنه لم يطلق رصاصة واحدة إلا أنه مهد لعبور المصريين إلى سيناء، وحافظ على أرواح عشرات الآلاف وساهم فى عودتهم إلى أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم.. بالتأكيد سمعنا جميعًا منذ صغرنا عن خط بارليف، لكن ما هو خط بارليف.. ومن الذى حطمه.. وكيف يعيش الآن.. هذا ما لم نتناوله من بعيد أو قريب من قبل. خط بارليف أقوى خط تحصين دفاعى فى التاريخ العسكرى الحديث، صممه الجنرال حاييم‏ ‏بارليف، رئيس ‏أركان‏ ‏جيش‏ ‏الدفاع‏ ‏الإسرائيلى ‏وقتها‏, ‏والذى فكر فى إنشائه ليفصل سيناء عن الجسد المصرى بشكل نهائى، ‏وليحول‏ ‏دون‏ ‏وصول‏ ‏الجيش‏ ‏المصرى ‏إلى ‏الضفة‏ ‏الشرقية‏ ‏للقناة من خلال‏‏ ‏إنشاء‏ ‏ساتر‏ ‏ترابى ‏منحدر ومرتفع‏ ‏ملاصق‏ ‏لحافة‏ ‏القناة‏ ‏الشرقية‏ ‏بطول‏ ‏القناة‏ من‏ ‏بورسعيد‏ ‏إلى ‏السويس‏‏ ليضاف للمانع المائى المتمثل فى قناة السويس، ويشكلان معًا أقوى مانع فى التاريخ.. ولكن من بنى الجدار وحصنه راح عن باله أن هناك معجزة اسمها "المصرى".. وللتاريخ أقول إن اللواء باقى زكى يوسف الذى عمل ضابطًا مهندسًا فى القوات المسلحة خلال الفترة من عام 1954 وحتى 1984، قضى منها خمس سنوات برتبة اللواء، كان العقل المصرى الذى تمكن من التغلب على القنبلة النووية وهو صاحب فكرة فتح الثغرات فى الساتر الترابى باستخدام ضغط المياه ليفتح الطريق إلى نصر أكتوبر المجيد أعظم انتصارات مصر فى القرن الماضى. يعيش اللواء باقى فى منزله المتواضع بمدينة مصر، للوهلة الأولى تشعر فى منزله بأنك تعود إلى أيام الزمن الجميل، حيث الهدوء والضوء الخافت ونسمات العطور ينساب من خلفها صوت الرائعة فيروز تشدو بإحدى أغانيها، وبمجرد دخولنا إلى الصالون حضرت زوجته لترحب بى وفى يديها عدد من صور الذكريات. باقى زكى يوسف حزن كثيرًا عندما علم أننا نتحدث معه لمجرد التأكيد أن مسيحيى مصر قدموا دماءهم من أجل تراب مصر قائلاً بالحرف الواحد: "ماكانش كده زمان.. كنا بنحب بعض.. وأصدقائى لم يعلموا أننى مسيحى إلا بعد معرفتى بهم بسنوات طويلة.. هو إيه إللى حصل"، وتدخلت زوجته فى الحوار بعصبية قائلة: "دى مؤامرة من الغرب يا باقى.. الغرب مش عايزنا نعيش بسلام.. هو أنا أنسى أيام ما كنت فى الحرب، جيرانى المسلمون لم يتركونى أبدًا.. وكنا ندعى للكل بأن يعود بسلام". ماذا فعلت فى حرب أكتوبر من أجل مصر؟، هذا السؤال كاد ينهى حوارنا قبل أن يبدأ، فكيف لا نعلم ماذا فعل الرجل فى حرب أكتوبر؟، كيف نجهل دوره العظيم فى تلك المعركة؟، كيف تجاهلنا أنه تفوق على القنبلة الذرية التى زعم الروس والأمريكان قدرتها على تدمير خط بارليف؟، كيف نسينا ما قدمه الرجل لتأمين عبور 80 ألف مصرى بدون نقطة دماء أثناء العبور. وقد أكد اللواء باقى يوسف أن الفكرة جاءت له بعدما امتلكه الخوف على أكثر من20 ألف جندى مصرى كانوا سيستشهدون فى لحظة العبور، لأن الجيش المصرى كان سيعبر حتى إذا لم يكن هناك ثغرات لعبور المركبات والآلات العسكرية، مشيرًا إلى أن الفكرة أتته نتيجة لعمله السابق فى إنشاء السد العالى بأسوان، وقام بعرض فكرته على قائد فرقته المرحوم لواء أركان حرب سعد زغلول عبد الكريم خلال اجتماع مع قائد الفرقة 19 فى أكتوبر عام 1969بمنطقة عجرود من الضفة الغربية للقناة، لتحديد مهام الفرقة وتخطى عقبات العبور.. وقال: "خطرت فى ذهنى فكرة المياه لأنه أثناء عملى بالسد العالى من عام 1964 وحتى 1967 كنا نستخدم المياه المضغوطة لتجريف جبال الرمال ثم سحبها وشفطها فى أنابيب خاصة من خلال مضخات لاستغلال مخلوط الماء والرمال فى أعمال بناء جسم السد العالى"، مشيرًا إلى أنه فى حالة الساتر الترابى شرق القناة فكان المطلوب لفتح الثغرات توجيه مدافع مياه مضغوطة إليه لتجرى رماله إلى قاع القناة، وعن طريق هذه الثغرات يتم عبور المركبات والمدرعات إلى عمق سيناء.. وأشار إلى أن جميع آراء رؤساء التخصصات والخبراء للتغلب على الساتر الترابى كانت تنحصر حول الاستخدامات العنيفة، فمنهم من قال بالقنابل، وآخر بالصواريخ والمفرقعات والمدفعية، ولكنهم أكدوا أن توقيت فتح الثغرات داخل الساتر الترابى يتم فى خلال 12-15 ساعة، وكانت هذه المقترحات والأفكار فى غاية الصعوبة لتنفيذها من خسائر مادية وتستغرق وقتًا طويلاً.. "ربنا حط المشكلة وجنبها الحل"، تلك هى العبارة التى وقف ليقولها المقدم باقى يوسف على قادته فى القوات المسلحة، استطاع بها أن يجذب انتباه تلك القيادات، فاستمر فى شرح فكرته الغريبة، والتى تعتمد على نظرية نيوتن وسط صمت ودهشة جميع الحاضرين فى الاجتماع، وبعدها بدأ قائد الفرقة يناقش الفكرة مع رؤساء التخصصات لمعرفة تأثيرها على أعمال القتال، واتضح من المناقشة أنه لا توجد أى مشاكل مبدئية فى المياه المحملة بالرمال عند عودتها إلى القناة ولا فى تربة الثغرة.. وبعد المناقشات المستفيضة فى الاجتماع شعر قائد الفرقة بأن هذه الفكرة يجب أن تدرس جيدًا، وخصوصًا أن البدائل التى عرضت فى الاجتماع لحل مشكلة العبور كانت بدائل تقليدية وقد تكون متوقعة من العدو، مشيرًا إلى أنه فى نهاية الاجتماع قام قائد الفرقة بالاتصال بقائد الجيش الثالث اللواء طلعت حسن على وأطلعه على الفكرة فطلب منه الحضور فى اليوم التالى لمناقشتها.. وقال اللواء باقى زكى إن قائد الفرقة طلب منه إعداد تقرير فنى وافى ليصل فيما بعد إلى يد الرئيس جمال عبد الناصر شخصيًا أثناء اجتماعه الأسبوعى بقادة التشكيلات بمقر القيادة العامة، والذى اهتم بالفكرة المبتكرة، وأمر بتجربتها واستخدامها فى حالة نجاحها. تنهد باقى يوسف وهو يعود بالذاكرة لـ 40 سنة قائلاً: "قمت بعد ذلك بتصميم مدفع مائى فائق القوة لقذف المياه، فى إمكانه أن يحطم ويزيل أى عائق أمامه أو أى ساتر رملى أو ترابى فى زمن قياسى قصير، وبأقل تكلفة ممكنة مع ندرة الخسائر البشرية، وقد صنعت هذه المدافع المائية لمصر شركة ألمانية بعد إقناعها بأن هذه المنتجات سوف تستخدم فى مجال إطفاء الحرائق".. وأشار إلى أنه بعد ذلك قامت إدارة المهندسين بالعديد من التجارب العملية والميدانية للفكرة زادت على 300 تجربة اعتبارًا من سبتمبر عام 1969 حتى يناير عام 1972 بجزيرة البلاح بالإسماعيلية، حيث تم فتح ثغرة فى الساتر الترابى أقيم خصيصًا ليماثل الموجود على الضفة الشرقية للقناة، وتم على ضوء النتائج المرصودة إقرار استخدام فكرة تجريف الرمال بالمياه المضغوطة كأسلوب عملى لفتح الثغرات فى الساتر الترابى شرق القناة فى عمليات العبور المنتظرة.. وقال إنه لم يشعر على الإطلاق باحتمالية فشل هذه الفكرة المبتكرة، بل على العكس كان يقف على الضفة الغربية للقناة يراقب الثغرات وهى تفتح بعينيه، مشيرًا إلى أن المياه هزمت القنابل النووية وحققت نجاحات باهرة، فقد تم الانتهاء من فتح أول ثغرة فى الساتر الترابى الساعة السادسة من مساء يوم السادس من أكتوبر أى بعد بدء العبور بحوالى 3 ساعات، كما تم الانتهاء من فتح 75% من الممرات المستهدفة التى يصل عددها إلى 60 ممرًا حوالى الساعة العاشرة من مساء نفس اليوم بعد انهيار نحو 90000 متر مكعب من الرمال إلى قاع القناة، وعبر أول لواء مدرع من معبر القرش شمال الإسماعيلية فى الساعة الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم.. وبيّن أن كميات الرمال والأتربة التى انهارت من خط بارليف فى ساعة واحدة قدرت بنحو 2000 متر مكعب وهذا العمل يحتاج إلى نحو 500 رجل يعملون مدة 10 ساعات متواصلة.. وهكذا انهار أقوى خط مانع فى العالم وأصبح مثل "الجبنة الريكفور" فى عدة ساعات، هذا الخط الذى أجمع جميع الخبراء العسكريين السوفييت والأمريكان والإسرائيليين على استحالة تحطيمه إلا بقنبلة نووية!!!، وبالطبع لا تملك مصر واحدة منها، وحتى بفرض وجودها فمن المستحيل استعمالها نظرًا لتلاصق القوات المصرية والإسرائيلية. وكما يقول اللواء باقى يوسف كانوا محقين فيما أكدوه عن خط بارليف، فقد اهتم الإسرائيليون بإنشاء الخط وتجهيزه هندسيًا، وتدعيمه بمنصات للدبابات والمدفعية، وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية عبارة عن 22 موقعًا دفاعيًا، و26 نقطة حصينة بطول 170 كم على طول قناة السويس، مشيرًا إلى أن الخط تم تحصين كل مبانيه بالكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية المأخوذة من سكك حديد سيناء، بالإضافة لتغطيتها بأطنان من الصخور والرمال لامتصاص كل أشكال القصف الجوى والأرضى مهما كان حجمه، بالإضافة إلى الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام، وأنابيب النابالم الحارق أسفل مياه القناة، وشبكات تليفونية تربط كل نقاط الخط ببعضها البعض من ناحية وبالقيادة داخل إسرائيل من ناحية أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر