أشرنا فى الحلقة السابقة أن لقاءات سرية مباشرة بين الأردن وإسرائيل كانت تتم ، ويتم تسريب بعض أخبارها من مصادر إسرائيلية غير رسمية .. ويستمر "كيسينجر" قائلا فى مذكراته : كان يحدث أيضا اتصالات إسرائيلية ولكن غير مباشرة مع مصر عن طريق وسطاء رسميين ، من تلك الإتصالات أربعة محاولات إيطالية ، وكانت كل تلك الإتصالات تمثل جميعها قفزا فوق المشاكل المستعصية لأزمة الشرق الأوسط ، ويتلخص مؤداها أن البحر المتوسط يجب أن لايكون مجالا لسيطرة القوى العظمى وميدانا لحروبها ، وأن يعود البحر الأبيض لأهله وأصحابه ليجعلوا منه بحيرة سلام وثقافة وحضارة ، وكان آخر اقتراح مقدم فى هذا الشأن هو عقد مؤتمر على شكل لقاء حر بين ممثلين عن كل البلدان المطلة على البحر الأبيض ، يجمع أيضا بين العرب والإسرائيليين ، لكى يتم فيه بحث كل مشاكل تلك البلدان وخاصة مشكلة الشرق الأوسط من الأمن والسلام إلى الثقافة والفن ، وكان عبد الناصر يرفض كل تلك المحاولات الشرق أوسطية لتأكده من خبث مقصدها ، وأنه لاغرض لها سوى تشتيت جهد العرب فيما لايفيد الحل العادل للنزاع العربى الإسرائيلى . فنامت تلك المحاولات الصهيونية الشرق أوسطية لسنوات طويلة ، إلى أن أعيد بعثها من جديد بعد حرب الخليج الثانية برعاية فرنسية إيطالية أسبانية . (حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت 2 أغسطس 1990 إلى 28 فبراير 1991 ، وحرب الخليج الأولى هى الحرب العراقية الإيرانية من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988) .
وكانت المحاولة الخامسة محاولة رومانية تولاها الرئيس الرومانى "نيكولاى تشاوشيسكو" ملخصها كما وردت موثقة بكتاب هيكل بعنوان "المفوضات السرية بين العرب وإسرائيل ص 158-161" : أنه فى يوم 17 مايو 1970 قابل وزير التجارة الخارجية الرومانى عبد الناصر فى حضور حسن عباس زكى وزير الإقتصاد والتجارة الخارجية فى ذلك الوقت ، وفى حضور السفير الرومانى بالقاهرة . وكان الوزير الرومانى يحمل رسالة من "تشاوشيسكو: إلى عبد الناصر ، وعندما قال الوزير الرومانى لعبد الناصر أن لديه رسالة سرية يريد أن يعرضها عليه ، رد عليه عبد الناصر أن السيد / حسن عباس زكى مسئول كبير بحكومة مصر وأنه موضع ثقة ، وأن الوزير الرومانى يستطيع أن يتحدث بما لديه دون حرج .
فقال الوزير الرومانى أن هناك مبادرة جاءت بطريق رسمى من جانب إسرائيل يرغب فى أن يعرفها السيد الرئيس عبد الناصر ، وأن "شاوشيسكو" بدافع الشعور بالصداقة لمصر قد كلفه بتبليغها شخصيا للرئيس عبد الناصر . وتتلخص المبادرة الإسرائيلية فى خمس نقاط كالآتى :
1. إن إسرائيل لن تملى شروطا من أى نوع على الدول العربية ، وبالمثل فإن إسرائيل لن تقبل أى تسوية تفرض عليها . إن سيسكو (وكيل وزارة الخارجية الأمريكية المختص بالشئون العربية الإسرائيلية ) أو دوبرنين (السفير السوفييتى فى واشنطن) لن يضعا الحدود بيننا لأنها ليست الحدود بين أمريكا والإتحاد السوفييتى .
2. إن إسرائيل لاتريد أى شيئ يغير من طابعها القومى كوطن لليهود .
3. وبالتالى فإن إسرائيل ليست لديها النية لضم أو للإحتفاظ بالأراضى التى تحتلها (Israel has no intention to keep or to annex the territories under its occupation now).
4. إن التسوية يجب أن تتضمن حلولا عاجلة لإزالة احتمالات خطر تجدد الحرب ، كما أن إسرائيل تريد ضمانات ضد فرض حصار بحرى جديد عليها .
5. ويجب وجود ضمانات فى شبه جزيرة سيناء حتى لاتكون قاعدة للهجوم على إسرائيل . وفى المقابل فإن إسرائيل على استعداد لإعطاء ضمانات فى أرضها لمصر .
كان جمال عبد الناصر يسمع دون تعليق . وراح الوزير الرومانى يقول إنه "يبدو له أن إسرائيل لديها حلول مقبولة ، ولكنهم لايرون أنه ليس من الطبيعى الإعلان عنها إلا إذا كانت واثقة من أنها داخلة فى محادثات جدية وحقيقية مع مصر" .
وجاء الدور على جمال عبد الناصر طبقا لنص المحضر الموثق (المصدر : كتاب هيكل المذكور من قبل) :
· "أعرب (عبد الناصر) عن شكه فى أن تكون لدى إسرائيل خطة لحل سلمى . وهو يشعر أن كل ماتطرحه الآن هو مجرد محاولات غامضة هدفها فى واقع الأمر تقويضundermine مركز مصر.
· إنه (أى عبد الناصر) يتابع مناقشات مجلس الوزراء الإسرائيلى ، وهو يعرف أن أغلبيته تؤيد ضم أجزاء عربية من الأراضى المحتلة لإسرائيل .
· إن الحل الوحيد الذى يستطيع الموافقة عليه هو الإنسحاب الكامل . ولايمكنه الموافقة على حل يترك القدس لإسرائيل .
· إن موقفه من الحل واضح ومعلن ، فى الوقت الذى تخفى فيه إسرائيل خططها وتبقيها سرا .
· إن المستر ناحوم جولدمان قام من قريب بمثل هذه المحاولة التى يقوم بها مستشار جولدا مائير الآن ."
ولم يكن الوزير الرومانى راغبا فى قفل باب المناقشة بهذه الطريقة ، فعاد إلى الإلحاح ، وسأل عبد الناصر : "إذا كان مانقله عن الإسرائيليين لايرضى السيد الرئيس ، فهل يستطيع أن يعرف منه مالذى يقبله ؟" .
فقال جمال عبد الناصر (طبقا لنص المحضر) : "إننى أرغب فى حل سلمى ، وأشعر بقدرتى على إقناع الأمة العربية به إذا وجدته محققا لأمنها ومصالحها . لكنى لست مستعدا للقيام بأى مقامرة . فالموقف العربى جيد ، والأمة العربية كلها واقفة معنا . حتى الذين يختلفون مع توجهاتنا يدعمون موقفنا الإقتصادى . ومطلب الجميع هو الإنسحاب . وهو الشرط الذى يجمعنا سويا كأمة عربية . وبالتالى فنحن عندما نتكلم عن الإنسحاب نعنى ليس فقط من الأراضى المصرية ، ولكن من كل الأراضى العربية . "
ولم تصل محاولة "تشاوشيسكو" الرئيس الرومانى – شأنها شأن محاولات سبقتها - إلى أى نتيجة مع عبد الناصر .
ويقول هيكل فى كتابه المذكور قبل : لم يكن "وليام روجرز" وزير خارجية أمريكا المكلف بالشرق الأوسط ، على استعداد لأن يصل مشروعه للسلام بالشرق الأوسط (سبق أن تحدثنا عنه من قبل) إلى مثل ماوصلت إليه مبادرات "دكاكين السلام الصغيرة" على حد تعبيره" . وإنما كان يريد استغلال تكليف "ريتشارد نيكسون" له بحل مشكلة الشرق الأوسط ، ويصل فيها إلى نتيجة ناجحة يسبق بها تكليف خصمه اللدود "هنرى كيسينجر" المكلف بحل أزمة فيتنام .
كان مشروع "روجرز" للسلام الذى تحدثنا عنه من قبل لايزال غير مقبول من مصر ، ومع ذلك فإن الحكومة الأمريكية لم تتوقف عن مشروعها لحقيقة أن مصر لم تعلن رفضا صريحا لمشروع روجرز ، وإنما تركته معلقا . ووصف كيسينجر موقف مصر فى مذكراته (النسخة الإنجليزية) "سنوات فى البيض الأبيض ص 688 " : أن مصر استمرت فى تغليف موقفها بالصمت Egypt Continued to envelope itself in Silence ، ووجدت أمريكا أنه من الملائم أن تبعث بمبعوث خاص إلى القاهرة ، متحسبة لواقع أن قوات سوفييتية بدأت تصل إلى مصر بعد زيارة عبد الناصر السرية إلى موسكو فى يناير 1970 . وكان المبعوث الأمريكى الذى جاء إلى القاهرة هو "جوزيف سيسكو" مساعد وزير الخارجية الأمريكية المختص بشئون الشرق الأوسط ، وقد استقبله عبد الناصر يوم 12 إبريل 1970 .
وقال عبد الناصر لـ "سيسكو" فى هذه المقابلة (المصدر: كتاب هيكل المذكور من قبل ص 163) : أن مشروع "روجرز" بالنسبة له غير مقبول . وأنه ليس مقتنعا بأن الولايات المتحدة وحدها تملك حل المشكلة ، فالإتحاد السوفييتى طرف فى معادلة القوة فى الشرق الأوسط ولايمكن استبعاده بعد كل ماقام به ، وآخر ماقام به هو تحمله مسئولية الدفاع عن العمق المصرى ضد طيران إسرائيل المتفوق – ولكن ذلك ليس قيدا على القرار المصرى . وقال له عبد الناصر : إنه من الأفضل – إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بحل الأزمة ، أن يكون ذلك فى إطار الأمم المتحدة وتحت مرجعية قرار مجلس الأمن رقم 242 ، وأن يكون مشروع روجرز محاولة جادة لتفسير قرار مجلس الأمن وإعطائه طابعا إجرائياOperational – وهناك بالتأكيد تفسيرات تستطيع تطوير كل مقترحات الحل بحيث تصبح كافية ومقنعة لبقية الدول العربية ، وبالذات سوريا . ثم قال عبد الناصر لـ "سيسكو" : إن هناك باستمرار مشكلة فى أى مشروع تتقدم به الولايات المتحدة ، لأن حجم إرادتها وراء هذه المشروعات مجهول على الأقل بالنسبة للأطراف العربية ، فالولايات المتحدة لاتقيد نفسها بمشروع تتقدم به ، وإنما قد تغيره طبقا للضغوط الصهيونية التى تتعرض لها ، وإذا كان ذلك ، فإن ماتقدمه الولايات المتحدة لايمكن وصفه بأنه حل متكامل ، وإنما هو إقتراح من جانبها ، وإذا كان الأمر أمر مقترحات ، فالأمم المتحدة هى المجال . وإذا كان هناك نية فى جعل المقترحات الأمريكية فاعلة فى حد ذاتها ، فمن الأفضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع كل الأطراف قبل تقديم أية مقترحات ، كما أن التشاور مع الأطراف الدولية مهم . وأضاف عبد الناصر قوله : إن اختزال تصورات الحل فى مقترحات أمريكية ، مع ماهو مترسب لدى العرب من تحيز أمريكى لإسرائيل ، كفيل بأن يثير من اللحظة الأولى شكوكا عربية فى أى مبادرة لاتحمل غير "الهوية الأمريكية" .
ولم يكن عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 1967 مقتنعا بأن التسوية السلمية متاحة ، وإنما كان اعتقاده أن اختبارا بقوة السلاح هو اختبار ضرورى وحتمى لإقناع إسرائيل بتسوية مقبولة ومعقولة . ونتيجة لعدة اتصالات نشيطة وحوارات مكثفة ، مضافا إليها تزايد حدة حرب الإستنزاف ، وعدم قدرة الطيران الإسرائيلى تهديد العمق المصرى ، طوى روجرز مشروعه ، وتقدم بدلا منه باقتراح بسيط وعام عُرف بإسم "مبادرة روجرز" (تحدثنا عنها من قبل) ، ويقول هيكل : كانت مبادرة روجرز مختلفة عن مشروع روجرز رغم الخلط الذى ساد عند كثيرين فى التفرقة بين الإثنين . فمشروع روجرز هو مشروع متكامل لحل الأزمة على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242 ، ويتكلم عن الإنسحاب وبوضوح لأول مرة فى وثيقة أمريكية ، ولكنه يتكلم أيضا عن التزامات للسلام تكاد تكون قريبة لكل مايطلبه الإسرائيليون ، ومع ذلك فقد رفضه الإسرائيليون ، لأن كلمة "الإنسحاب" كانت كلمة مرفوضة دائما من جانبهم ، وكانت الحكومات الإسرائيلية ترفض أن تسمعها وتصمم على استبدالها بتعبير يؤدى أغراضها ويحقق أطماعها هو "إعادة تمركز القوات " ، وكان رأى "ليفى أشكول" رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت – على سبيل المثال – أن كلمة "إنسحاب" هى كلمة واحدة ملزمة ، ولكن إذا تم استخدام عبارة "إعادة تمركز القوات" فإن ذلك سوف يكون خاضعا لمائة تفسير على الأقل ، وكانت كلمة "الإنسحاب" غير مقبولة على الإطلاق عند الإسرائيليين .
وجاءت مبادرة روجرز (مشروع روجرز) فى 19 يونيو 1970 تقول نصا بمايلى :
"تعلن أطراف النزاع فى الشرق الأوسط ، وتنفذ، وقفا محدودا لإطلاق النار مدته تسعون يوما . وفى هذه الفترة ينشط السفير يارنح (سفير الأمم المتحدة) لينفذ قرار مجلس الأمن رقم 242 ، وبالتحديد فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق على سلام عادل ودائم يقوم على الإعتراف المتبادل والسيادة ووحدة الأراضى والإستقلال السياسى . وتقوم إسرائيل بسحب قواتها من أراض احتلتها فى معركة 1967 ."
وأعادت مبادرة روجرز إطار التسوية إلى الأمم المتحدة وليس إلى الولايات المتحدة ، كما أنها لم تكن عرضا مقدما لمصر وحدها ، وإنما إطار مفتوح لكل الجبهات . ثم أنها أعادت المرجعية إلى قرار مجلس الأمن 242 . وأكدت لأول مرة تعهد الولايات المتحدة بضرورة إنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى العربية رغم أنها – مثل قرار مجلس الأمن تحدثت عن "أراض" وليس عن "الأراضى" المحتلة .
وكان رأى مصر ألا تسارع بالرفض ، وكان رأى عبد الناصر الذى أعلنه فى خطاب عام أن نسبة نجاح تلك المبادرة لن يزيد عن نصف فى المائة ، وفى 21 يونيو – بعد يومين من تاريخ المبادرة – كانت إسرائيل هى التى سارعت إلى إعلان رفضها لـ "مبادرة روجرز" ، لأن كلمة "الإنسحاب" كانت كلمة مرفوضة دائما من جانب الإسرائيليين كما قلنا من قبل .
ويتساءل كيسينجر : ماهى الحكمة إذن من اتخاذ قرار ترفضه إسرائيل ومصر . ثم يقول كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومى : أنه فى إجتماع لمجلس الأمن القومى ، انتقد نيكسون وزير خارجيته روجرز ومساعده لشئون الشرق الأوسط سيسكو متسائلا : هل فاوضتم الإسرائيليون فى شروطهم، وماهو رد فعلهم حسب تقديركما فيما إذا قبلنا بالعودة إلى حدود عام 1967 ؟ ، فأكد روجرز وسيسكو أن الإسرائيليين يرفضون الإنسحاب إلى حدود عام 1967 ، وأنه قد تم مناقشتهم فى هذا الشأن كثيرا ، فقرر الرئيس نيكسون المحافظة على المفاوضات بمستوى بسيط وبطريقة ناعمة مع العرب حتى مقابلته للسيدة جولدا مائير ، وأمر أن تجرى خلال ذلك دراسة شروط التسوية التى تقترحها مصر وسوريا والأردن .
ويقول كيسنجر : أن جولدا مائير صرحت أثناء ذلك بأن روجرز فى مبادرته كان يفسر خواطره وأحلامه ، ويجب أن يعلم أن القوتين الأعظم (أمريكا والإتحاد السوفييتى) لايستطيعان عقد الصلح والتسوية نيابة عن أطراف النزاع الحقيقى على الأرض .. ويقول كيسينجر : ""فى هذا الجو المشحون عقدت اجتماعا مع مجلس الأمن القومى لبحث اقتراح بديل لمبادرة روجرز وهو إن كنا قادرين على تقديم مشروع سلام منفصل بين الأردن وإسرائيل ، يتبعه مشروع سلام آخر منفصل مع مصر" ... !!
وأثناء وجود عبد الناصر فى زيارة للإتحاد السوفييتى من 29 يونيو وحتى 18 يوليو (زيارة عمل وعلاج ) تم إبلاغه بنص مشروع روجرز ، وفى 16 يوليو قابل بريجينيف وأخبره بنيته فى قبوله ، ودهش بريجينيف وتساءل عما إذا كان فى نيته قبول مشروع ممهور بالعلم الأمريكى ؟ ، فرد عبد الناصر عليه بأن هذا هو مايريده تماما فلابد من وقت نلتقط فيه الأنفاس لإستكمال بناء مواقع صواريخ الدفاع الجوى ، وإعطاء قواتنا فترة قصيرة من الراحة ، ولتقليل خسائرنا من المدنيين ( كان يبنى المواقع شركات قطاع المقاولات العام ، وكان كل موقع يشرف عليه ضابطا واحدا من سلاح المهندسين) . واستمر عبد الناصر قائلا : نحن نحتاج إلى إيقاف إطلاق النار ، بالرغم من أننا نعتقد أن فرص نجاح المبادرة لاتزيد عن نصف بالمائة ، وإسرائيل لن تحترم إيقاف إطلاق النار إلا إذا كان ممهورا بالعلم الأمريكى . (المصدر : هيكل وموثق ، وأيضا كتاب أمين هويدى / حرب الإستنزاف طبعة أولى عام عام 1975 ) –
___________
( أمين هويدى كان مستشارا سياسيا لعبد الناصر ثم وزيرا للحربية بعد هزيمة يونيو 67 مباشرة حتى 25 أغسطس 67 ، ثم خلفه الفريق أول محمد فوزى صاحب الفضل فى إعادة بناء القوات المسلحة من جديد ، وانتقل أمين هويدى بعد ذلك لرئاسة المخابرات العامة حيث أشرف على عملية بطولية كبيرة قام بها أبطال مصر من الضفادع البشرية وهى تدمير "حفار" استأجرته إسرائيل لتحفر فى مياه خليج السويس بحثا عن مزيد من البترول فى مياه خليج السويس ، تنفيذا لمنطق فرض الأمر الواقع على أرض لاتملكها ، والحفار كان حفارا إنجليزيا اشترته شركة أمريكية كندية سجلت نفسها بالولايات المتحدة ويجره جرارا هولنديا ، أى أنه كان حفارا دوليا .. !! ، وسميت تلك العملية بعملية "الحفار" وأطلق عليها وقت التخطيط لها وتنفيذها الإسم الكودى "الحج" ، وتمت العملية بنجاح مذهل حيث تم نسف وتدمير الحفار بميناء أبيدجان بساحل العاج فى صباح يوم 8 مارس 1970 ، وعاد أبطال مصر جميعهم إلى أرض الوطن سالمين . )
_______________
وفى يوم 22 يوليو 1970 سلم محمود رياض وزير خارجية مصر رد القاهرة على مبادرة روجرز وجاء فيه : "إن إنسحاب إسرائيل من كافة الأراضى العربية التى احتلتها نتيجة لعدوانها على الدول العربية فى 5 يونيو 1967 أمر أساسى لتحقيق السلام فى المنطقة ، وأن تحرير الأراضى العربية واجب وطنى أكده ميثاق الأمم المتحدة الذى ارتبطنا به جميعا " .. وجاء فيه : " أننا على استعداد لأن نؤكد من جديد للسفير يارنج استعدادنا لتنفيذ كافة بنود قرار مجلس الأمن وتعيين مندوب عنا للتباحث معه لتنفيذ هذا القرار . ولإمكان تحقيق ذلك فإننا على استعداد لقبول وقف إطلاق النيران لفترة محدودة لثلاثة أشهر وفق اقتراحكم مع اعتقادنا بأن المنهاج الصحيح الذى يجب البدء به فى هذه الحالة هو المبادرة بوضع جدول زمنى لإنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى المحتلة"
وكان رد وزير الخارجية إعلانا من القاهرة على العالم بموافقة مصر على مبادرة روجرز ، ودخلت المبادرة (المشروع) حيز التنفيذ ببدأ وقف إطلاق النيران الساعة الواحدة من صباح السبت 8 أغسطس 1970 ولمدة 90 يوم . وكما ذكرنا بالحلقة الثانية على لسان الجمسى بمذكراته : أنه قد تم استكمال تجهيز المواقع الضرورية لشبكة الدفاع الجوى ، وتم ذلك بسرعة ومجهود كبير قبل موعد سريان وقف إطلاق النار ، وبذلك انتهت فترة حرب الإستنزاف لتبدأ فترة التخطيط لحرب أكتوبر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.