الأحد، 25 أغسطس 2013

الكشف عن كل الأسرار والحقائق التاريخية لنكسة 67



 استيقظت مصر فى صبيحة 5 يونيه على هجوم كاسح لأراضيها من جانب قوات العدو الصهيونى، بالرغم من أن القيادة المصرية كانت تتوقع العدوان إلا أنها لم تتخيل أن يكون بهذا الحجم، حيث تعرضت جميع المطارات المصرية للتدمير وتم شل حركة سلاح الطيران.. العدوان لم يستهدف مصر وحدها، بل شمل احتلال نهر الأردن والقدس والجولان وسيناء وجنوب لبنان.. فى أعقاب نكسة 7691 تحولت إسرائيل من فأر مذعور إلى وحش كاسر يهدد أمن العرب جميعاً بعد أن تكشفت حقيقتها باعتبارها قوة استعمارية ومسماراً دقه الغرب فى نعش الأمة العربية. 


بعد نجاح ثورة 25 يناير تتطلع الأجيال القادمة إلى تجنب هزائم ونكسات جديدة على طريقة ما جرى فى 5 يونيه.. لن يتأتى ذلك سوى بالكشف عن كل الأسرار والحقائق التاريخية لنكسة 67 بغض النظر عمن تدين أو تنصف حتى نغلق الباب فى المستقبل أمام ظهور حاكم إله أو فرعون أو محدود الكفاءة.

رغم مرور أكثر من أربعة عقود على هذه الهزيمة النكراء فإن هناك علامات استفهام كثيرة لم تجد إجابة، لأنه ببساطة لم يفكر أحد فى إجراء تحقيق مستقل ونزيه حول تلك الأحداث المأساوية وتحديد المسئول عن ضياع الأرض والعرض العربى على أيدى حفنة من المرتزقة الصهاينة. فى مصر جرت تحقيقات صورية مع بعض قادة الطيران وانتهت إلى تبرئة المتهمين الذين كان أبرزهم اللواء عبدالحميد الدغيدى قائد القوات الجوية والدفاع الجوى فى تلك الفترة.. التحقيقات مع الدغيدى كشفت عن أسرار خطيرة بعد أن ألمح إلى خيانة بعض الضباط الذين تغيبوا عمداً عن المواجهة يوم 5 يونيه.

مفارقات غريبة قرأتها وسمعتها من أطراف مازالوا على قيد الحياة حول أحداث تلك النكسة من بينهم الفريق عبد المحسن مرتجى قائد الجيش الميدانى وقت حرب 67 وشمس بدران وزير الحربية فى نفس الفترة إلى جانب شهادات الأستاذ محمد حسنين هيكل مبتكر مصطلح «نكسة» يونيه بدلاً من هزيمة.

من حق الأجيال الجديدة أن تعرف ماذا حدث بالضبط صبيحة 5 يونيه ومن المسئول عن هذه الكارثة، بل ومن حق المجتمع أن يطالب المؤرخين بأن يشرعوا فى كتابة التاريخ الحقيقى لهذه الحقبة الخطيرة من تاريخ مصر والأمة العربية حتى نتجنب السقوط مرة أخرى فى بئر الهزيمة على أيدى العدو المتربص بنا على الحدود الشرقية.



ربما تكون حرب المذكرات التى تركها لنا قادة تلك المرحلة زادت من الجدل حول أمرين الأول يتعلق بالدور الروسى وتسريبهم معلومات مغلوطة للقيادة المصرية بشأن العدوان الإسرائيلى على سوريا، ثم تبين عدم صدق هذه المعلومات من خلال زيارة الفريق محمد فوزى بنفسه بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر.



الأمر الثانى يتعلق بإشارة «عجلون» التى أرسلها الفريق عبدالمنعم رياض الساعة السابعة والربع - صبيحة 5 يونيه قبل بدء العدوان بنحو الساعتين - إلى مقر العمليات الذى كان يرأسه الفريق محمد فوزى فى ذلك الوقت، لكن المفارقة أن هذه الإشارة لم يتلقاها ضابط الإشارة أو تلقاها ولم يبلغ القادة بها. المدهش أن هذا الضابط لم يواجه المحاكمة خاصة أن صورة من هذه الإشارة وصلت إلى مكتب وزير الحربية شمس بدران فى نفس التوقيت لكن تم التعامل معها باستهانة، الدليل على ذلك أن المشير عبدالحكيم عامر سافر بالطائرة فى نفس التوقيت من القاهرة إلى سيناء وأثناء وجود طائرته فى الجو قامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير جميع المطارات المصرية فى دقائق معدودة.


الخبراء يجزمون بأن الفارق الزمنى بين وصول إشارة عبدالمنعم رياض القادمة من عجلون فى الأردن وموعد وبدء الهجوم الجوى فى التاسعة والربع كان بإمكانه تقليل الخسائر إلى النصف سواء فى الطائرات والمطارات ويمنح المضادات الأرضية فرصة للتعامل مع طائرات العدو. عند سؤال شمس بدران عمن يتحمل مسئولية هزيمة 5 يونيه حدد خمس شخصيات بالترتيب التالى: الأول: القيادة السياسية المتمثلة فى الرئيس جمال عبدالناصر بسبب اتخاذه قرار إغلاق المضايق وسحب القوات الدولية وهو يعنى للعدو إعلان حرب من جانب مصر فى نفس الوقت الذى يدرك فيه أن قواته غير جاهزة وليس لديها القدرة على تلقى الضربة الأولى وفقاً للقائه مع قادة الجيش فى مطلع يونيه.



الثانى: القيادة العسكرية المتمثلة فى المشير عبدالحكيم عامر بسبب موافقته على قرار عبدالناصر وعدم التصدى له مهما كانت بينهما من مودة وعلاقات شخصية طيبة لأن الأمر فى هذه الحالة يتعلق بمصير البلد بأكمله.

الثالث: الفريق محمد فوزى، حيث يرى أنه ربما يكون تعمد إخفاء إشارة «عجلون» عن قصد لتوريط عبدالحكيم عامر والقضاء على التحالف الذى كان يجمعه مع عبدالناصر، حيث كان يرى هذا التحالف عقبة فى طريقه للوصول إلى قلب الرئيس، ولذلك لم يحاكم ضابط الإشارة الذى تغيب بدون أسباب وأغلق مكتب الإشارة فى القيادة العامة وهذا مخالف لكل القواعد العسكرية ويصل إلى حد الخيانة العظمى.



الرابع: سامى شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر الذى أدت اتصالاته مع الروس إلى توريط الرئيس بعد أن عمق ثقته فيهم وهم كانوا يسعون إلى إضعاف مصر ورئيسها لتحقيق مصالحهم الاستراتيجية.



الخامس: الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل باعتباره شريكاً فى اتخاذ القرارات الخطيرة والذى زين وهيأ كل الأجواء أمام الرئيس عبدالناصر ووافق على قرار إغلاق المضايق بالرغم من إدراكه التام لخطورة هذه الخطوة خاصة بعد مشاركته فى اجتماع الطيارين الشهير فى قاعدة أبو صوير قبل العدوان بأيام معدودة ويعلم أن النصر فى الحروب يكون لصاحب الضربة الأولى وهذا ما سمعه من الطيارين بأذنه.



الفريق فوزى فند اتهامات شمس بدران فى مذكراته بخصوص سبب عدم وصول إشارة عجلون لمقر القيادة بأن الشفرة كانت تغيرت فى ذلك اليوم، ولم يكتف بتبرئة نفسه وضابط الإشارة بل ألقى باللائمة على كل من شمس بدران والمشير عامر باعتبارهما تلقيا نفس الإشارة ولم يعيراها أى اهتمام، وأن وجود المشير فى الجو فى ذلك التوقيت كان سبباً فى وقف تعامل الدفاع الجوى مع الطائرات المغيرة.



الفريق عبدالمحسن مرتجى قائد القوات البرية الذى أعلن اعتزال العمل العسكرى فى أعقاب تلك الهزيمة كان من بين من حاولوا كتابة شهادتهم عن تلك المرحلة وبعد أن انتهى منها أرسلها إلى الجهات المعنية لكن تدخل الرئيس السابق ومنع نشرها.. السبب كما عرفه صاحب المذكرات وأبلغنى به أن مضمونها يسبب القلاقل ويثير المشكلات وسط قوى عديدة فى المجتمع!!

ويرى الفريق مرتجى أن الرئيس عبدالناصر ارتكب خطأً جسيما عندما قرر إغلاق المضايق وهو وجميع القادة يعلمون أنه إعلان حرب فى نفس الوقت الذى كان يعلم تماماً عدم جهوزية القوات لخوض حرب لأسباب كثيرة بعضها مرتبط بوجود ربع القوات المصرية فى اليمن، كما طلب من القيادة العامة تحمل الضربة الأولى وأن يتركوا له الباقى، وتجاهل حقيقة أن التنازل للعدو عن مبدأ المفاجأة أهم مبادئ الحرب المعترف بها.. ومن يمتلكها يضمن 70% من عناصر الفوز.



ويضيف: إن الانهيار الذى أصيبت به القيادة يوم 5 يونيه ترتب عليه ليس فقط أخطاء عسكرية بديهية، ثم لحق بها أخطاء أخرى استراتيجية، حيث أبلغنى أحد أعضاء وفدنا فى هيئة الأمم بنيويورك أن «جولد برج» المندوب الأمريكى عرض قبول مصر وقف إطلاق النار مقابل وعد أمريكى بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه والضغط على إسرائيل لتعود إلى حدودها قبل القتال لكن لم يتلق رداً من مصر.



أيضا سامى شرف سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات يملك النسخة الوحيدة للشريط المسجل عليه لقاء عبدالناصر بالطيارين فى أبوصوير قبل النكسة بعد أن تم إعدام شريطين آخرين للقاء بأمر عبدالناصر وقد حاولت إحدى الفضائيات شراء الشريط من شرف مقابل مليون دولار إلا أنه رفض تماما وقال إنه لا يملك هذا الشريط وليس له وجود وأنه تم إعدامه مع الشريطين الآخرين، بناء على هذا نتساءل:



متى يتاح للأجيال الجديدة التعرف على حقيقة ما جرى ومن هو المسئول عن هذه النكسة أمام التاريخ؟



طرحت السؤال على عدد من المؤرخين والمختصين منهم الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ المعاصر والذى فجر مفاجأة حيث رأى أن أحداث وأسرار تلك الهزيمة لن يتم حسمها سوى بعد ربع قرن والسبب يرجع إلى أن الأرشيف البريطانى الذى يسمح بالإفراج عن الوثائق بعد مرور 25 عاماً على وقوعها قرر أن يمد هذه الفترة إلى 75 عاماً بالنسبة لجميع الوثائق التى ترتبط بهزيمة يونيه 1967 بالذات.



الدكتور الدسوقى يرى أن القرار البريطانى يرجع إلى أن الإفراج عن وثائق 67 يفضح أدوار العديد من الأطراف خاصة بريطانيا والولايات المتحدة باعتبارهما حلفاء رئيسيين لإسرائيل ومن ثم تتضرر مصالحهما فى العالم العربى بسبب تواطؤهما مع المحتل الإسرائيلى على حساب الحقوق العربية.



ويدعو الدكتور عاصم الدسوقى الجهات الرسمية فى مصر إلى ضرورة تنفيذ القانون والإفراج عن وثائق تلك المرحلة بعد مرور 25 عاماً على وقوعها حتى يتسنى للرأى العام والأجيال الجديدة التعرف على تفاصيل ما جرى فى تلك الحقبة التاريخية المهمة وتجنب الوقوع فى نفس الأخطاء مرة أخرى.



المؤرخ والأكاديمى الدكتور قاسم عبده قاسم أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق يتفق مع الدكتور الدسوقى فى أن هناك «قرصنة» على المعرفة كان يرتكبها النظام السابق وأن عدم السماح للباحثين والمؤرخين بالاطلاع على وثائق 67 يندرج ضمن مخطط لعدم تنوير الرأى العام وتركه فريسة لحرب المذكرات التى عادة لا تقدم الحقيقة بقدر ما يسعى أصحابها إلى الدفاع عن أنفسهم وتبرئة ذمتهم.



فيما يتعلق بكتابة تاريخ تلك الفترة يرى الدكتور قاسم عبده قاسم أنه من الصعب إدانة شخص بعينه فى النكسة لأن الظروف والتوازنات الدولية كانت تياراً جارفاً وأقوى من أى شخص، حيث كان نظام الرئيس عبد الناصر يؤسس لمشروع قومى عروبى فى المنطقة.. هذا المشروع رأت إسرائيل والولايات المتحدة أنه يضر بمصالحهما فكان لزاماً عليهما تدميره وإحباطه وساهمت فى ذلك الرجعية العربية التى بالمصادفة تسعى حالياً إلى إفشال ثورة 25 يناير المصرية لحرمان مصر من النهوض وقيادة المنطقة من جديد.



أما الدكتور محمد الجوادى الباحث المتخصص فى رصد مذكرات قادة 67 فيرى أنه يصعب حسم وتحديد المخطئين فى حق أوطانهم خلال تلك الأحداث ويتبنى خمس نظريات حول تقييم أداء قادة تلك الفترة: النظرية الأولى يسوقها أنصار الرئيس عبدالناصر وتقوم على أن المشير عبدالحكيم عامر لم يكن مستعداً لخوض الحرب وضلل الرئيس عبدالناصر الذى بنى رؤيته وقراراته على معلومات غير دقيقة.



الثانية يسوقها أنصار المشير عامر وتقوم على أساس أن القوات المصرية كانت مستعدة للقيام بالضربة الأولى وكانت لدينا الخطط والتدريبات التى تضمن نجاحها بنسبة كبيرة لكن إصرار ناصر على تحمل الضربة الأولى هو الذى كلفنا كل هذه الخسائر.



الثالثة يشارك فيها الفريق سعد الشاذلى والرئيس أنور السادات وتقوم على أساس أنه كان بإمكان القوات المصرية تلقى الضربة الأولى مع عمل تكتيكات وخطط حربية يمكن أن تحقق التوازن فى القوة مع العدو.



الرابعة يروج لها الاشتراكيون المصريون وهى أن مصر كان لديها مشروع تنموى ونهضوى ضخم، هذا المشروع كان لا يصب فى مصلحة إسرائيل والقوى الغربية فكان لابد من هزيمة وكسر شوكة عبدالناصر ومن ثم إفشال مشروعه والقضاء عليه.



النظرية الخامسة والأخيرة يتبناها ويسوقها الأمريكان وهى تقوم على فكرة البحث عن المستفيد من هزيمة مصر وانكسار عبدالناصر ووفقاً لهذه النظرية نجد أن الاتحاد السوفيتى هو المستفيد الأول من نتائج 1967 فقد كان يحلم بالتواجد بقواته فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط ولم يكن يمكن أن يحقق ذلك سوى بهزيمة وانكسار ناصر ومشروعه أمام إسرائيل.



ويطرح الدكتور الجوادى فكرة توزيع نسب لكل نظرية سابقة حيث يرى هو شخصياً أن يمنح النظرية التى تحمل المسئولية للمشير عامر 5% أما من يحمل ناصر المسئولية 35% ونظرية السادات والشاذلى 10% ورؤية الإشتراكيين 5% وأخيراً يرى أن 45% هى النسبة الأقرب إلى الصواب لأن الروس أرادوا بالفعل القضاء على مصر وإضعاف عبدالناصر فتآمروا وروجوا لحكاية العدوان الإسرائيلى على الأراضى السورية والتى تبين عدم صدقها، وكذلك رفضوا تقديم الدعم وترددوا كثيراً فى توصيل المساعدات العاجلة التى وعدوا بها كما حدث فى لقاء المشير بالسفير الروسى ليلة الهزيمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

ساهم بنشر الموقع و لك جزيل الشكر