قام نور الشريف بعدها بعدة أدوار في السينما المصرية رشحته ليصبح أحد نجومها المميزيين. من أفلامه الحديثة فيلم اختفاء جعفر المصري العام 1999 ثم العاشقان الذي قام فيه بالتمثيل والإخراج. ثم فيلم عمارة يعقوبيان
في 'السراب' لعب نور الشريف أول بطولة مطلقة حيث جسد شخصية كامل، البطل الشاب الذي دللته أمه كثيرا، وحولته من شدة حبها وتدليلها له الى انسان بلا ارادة، غير قادر على التصرف. وتصدم زوجته في ليلة زفافها بعدم رجولة كامل، لكنها تكتشف بعد مضي الوقت انها مجرد حالة نفسية سببتها الظروف غير الطبيعية التي مر بها. لكنه شيئا فشيئا يسترد ثقته في نفسه وفي رجولته التي ظن انها لن تعود.
استخدم نور الشريف في اداء هذا الدور أدواته الداخلية والخارجية في اظهار الانفعالات الصعبة والأبعاد النفسية العميقة. والتقط نور الدور المميز بحسه الفني، واعتبره نوعا من التحدي ومن تنويع الأدوار، إضافة الى تقديم مشكلة شريحة موجودة في المجتمع.
زوجتي والكلب
وفي 'زوجتي والكلب' أدى نور الشريف دورا يحسب له، وتميز اداؤه بالصدق والبساطة والاقناع. فحركته وطريقة ادائه للحوار والتعبيرات الصامتة كانت انعكاسا صادقا لشخصية الفتى المراهق الذي يعاني الوحدة والكبت الجنسي.
وكان عام 1975 واحدا من أغزر أعوام نورالشريف على الاطلاق، فقد قام ببطولة 12 فيلما من أهمها فيلم 'الكرنك' من اخراج علي بدرخان وبطولة سعاد حسني وكمال الشناوي وفريد شوقي، والفيلم يمثل انتقادا حادا لثورة يوليو التي قبل ان تنهزم في عام 67، هزمت مثقفيها وكتابها.
مع سبق الاصرار
وفي عام 1979 قدم فيلم 'مع سبق الإصرار'، وجسدت فيه شخصية مدرس اكتشف خيانة صديق له تخلى عن انسانيته.
واستطاع نور الشريف ان يعبر عن المعاناة الداخلية للمدرس بشكل لافت، فالدور مركب وعامر بالأحاسيس، واداه نور بشكل سلس وأعطاه قلبه ونبضه وأعصابه. وعلى الخط المقابل لمحمود ياسين يقف نور الشريف هذه المرة ليقدم لنا لوحة إنسانية متكاملة ذات أبعاد غائرة العمق والتأثير، من الزوج الطيب والمجروح في رجولته الى الأب الذي يفقد تماسكه الإنساني والمجرم الراقد في أعماقه، المبيت النية على الانتقام.
وفي هذا الدور المركب الصعب استطاع نور ان يتحرك في شخصية جديدة تماما عليه. تناسى النجم اللامع وفتى الشاشة واصبح في صدق وواقعية 'مصيلحي' بشعره الأغبر وأعماقه الممزقة. لقد نجح في تجسيد شخصية تحسب له كنموذج لاداء الممثل القدير ومدى فهمه للشخصية التي يتقمصها. ويمكن اعتبار دور 'مصيلحي' علامة بارزة في حياة نور التمثيلية السابقة واللاحقة.
حبيبي دائما
ويعتبر فيلم 'حبيبي دائما' انتاج عام 1980 واحدا من أهم الأفلام الرومانسية في السينما العربية، وعلى رغم نسجه على منوال الفيلم الأميركي 'قصة حب' أنجز الفيلم بصياغة مصرية، قد نراها فيمن حولنا من محبين ونسمعها عمن حولنا من قصص وحكايات. انها تنويعة مختلفة من الشخصيات التي حرص نور الشريف خلال مسيرته السينمائية على تجسيدها.
ضربة شمس
وفي عام 1980 قدم نور الشريف فيلم 'ضربة شمس' وغامر بتقديم محمد خان كمخرج جديد سيكون له شأن بعد ذلك. غامر نور بماله الخاص في سوق لا يحتمل المغامرات، وكانت بداية دور سيلعبه في ما بعد كمنتج واع وممثل نظيف يحمل بعض القيم والمثاليات، وبعض الطموحات الفنية التي لم يعد احد يجرؤ عليها.
خاض مجال الإنتاج ليعمل ما يحبه ويرتضيه ويتمناه، وليكون قادرا على الاختيار.. اختيار ملامح البطل الذي سوف يكون بعيدا عن قوالب المنتجين واختيارات السوق التي لا تعبر في أغلب الأحوال عن واقع الحياة.
أهل القمة
وفي عام 1981 قدم نور الشريف فيلم 'أهل القمة' عن قصة الكاتب نجيب محفوظ وسيناريو مصطفى محرم. و'أهل القمة' هنا هم اللصوص الجدد الذين استفادوا من قوانين الانفتاح الاقتصادي. ويمكن اعتبار 'أهل القمة' وثيقة مهمة تثبت انه في مجال السينما مثل بقية مجالات الفن والفكر، كان هناك من يقول الحقيقة حتى اذا كانت المتاعب من نصيبه. بطل الفيلم زعتر النوري بطموحاته وأحلامه باحتلال مكانة جديدة في عالم جديد، كان في تلك الفترة تعبيرا عن شريحة كاملة تتهيأ لاحتلال مكان الصدارة في المجتمع.
سواق الأتوبيس
وفي عام 1983 عرض فيلم 'سواق الأتوبيس' قصة محمد خان وسيناريو بشير الديك واخراج عاطف الطيب. ويقدم الفيلم محاولة الابن حسن سلطان (نور الشريف) انقاذ ورشة الأخشاب التي يملكها والده (عماد حمدي)، وتمثل له حياة الأب وكفاحه واصراره. ولكن لتراكم الديون تعرض الورشة للبيع في المزاد، وحسن مازال يقاوم.
في 'سواق الأتوبيس' الذي يتسم برحابة الرؤية ودقة تحليل الواقع، يتابع عاطف الطيب رحلة الوعي عند بطله، ويرصد الفيلم مراحل التغير والتحول من المراقبة والتأمل حتى لحظة المواجهة والكشف عن التغيرات التي حدثت في بنية المجتمع المصري في السبعينات وما صاحبها من اهتزاز لسلم القيم واستشراء للفساد وسيادة القيم المادية وطغيان الجشع والطمع، بالإضافة الى شراسة الواقع الجديد الذي أدى الى انعدام الدفء في العلاقات العائلية والإنسانية.
الورشة في 'سواق الاتوبيس' هي المرادف للحياة / الوطن ومعادل موضوعي للقيم النبيلة التي يدافع عنها حسن بطل الفيلم . وبطل الفيلم معادل لكل الأبطال الشرفاء الذين انتقلوا من تأمل الواقع الى مواجهته مهما كان الثمن.
ويمكن القول ان صناع 'سواق الأتوبيس' استطاعوا ان يعبروا بصدق عن اللحظة التاريخية وأن يضعوا على المستوى السينمائي لبنة قوية وأساسية في صرح الواقعية الجديدة.
آخر الرجال المحترمين
وفي عام 1984 قدم نور الشريف فيلم 'آخر الرجال المحترمين' عن الأستاذ فرجاني المدرس الذي يعتبر أطفال المدرسة مسؤوليته الخاصة على كل المستويات الشخصية والعامة. وهو مرب فاضل مهمته بناء عقل الانسان ووجدانه بكل الصدق والحب، ولايستطيع تصور وجود عوامل اخرى تهدم ذلك البناء. ومن خلال شخصية فرجاني أيضا أكد نور الشريف قدراته الادائية، وقدم بعض ملامح البطل الطيب الذي يدخل في مواجهة غير متكافئة مع الروتين والفساد الحكومي.
الصعاليك
وفي 'الصعاليك' عام 1985 ومن خلال متابعة اثنين من الصعاليك الى القمة جرى تفنيد أكذوبة رجال الأعمال العصاميين. حاول الفيلم من خلال أبطاله الصعاليك ان يقدم تحليلا لأساليب الصعود غير المشروع بوعي فني واجتماعي واقتصادي وسياسي. لقد حاول المخرج داود عبد السيد البحث عن المنطق النفسي والاجتماعي في تصرفات شخصياته، كما استطاع الكشف عن ما يعتمل في داخلها من الحب والاشتهاء والندم والخيانة والجشع، كل ذلك من خلال عرض واقعي صادق للحياة.
لقد حاول عبد السيد ان يبرر أفعال بطليه وانحرافهما نحو الشر ونجح في ذلك الى حد كبير، خصوصا انه اعتمد على اداء ممثليه اللذين قدما مباراة متواصلة في الاداء التلقائي نجح فيها الاثنان: نور الشريف بتقديمه عرضا لقدراته على الأداء الطبيعي والتعبير الحركي، ومحمود عبد العزيز بتمكنه من شد الانتباه بحيويته وخفة دمه.
الزمار وزمن حاتم زهران
وفي فيلم 'الزمار' عام 1985 قدم لنا نور الشريف جانبا من حياة الزمار حسن، الشاب المطارد والمتنقل من قرية الى قرية من قرى الصعيد بحثا عن الامان والاستقرار.
وفي زمن 'حاتم زهران' 1988جسد شخصية الشاب الانتهازي الذي يهرب من أداء الخدمة العسكرية ويسافر الى اميركا. وهو على النقيض من اخيه يحيى الشهم الوطني الذي يستشهد في حرب 73، في الفيلم صيحة مبطنة ثم صرخة عالية عن الوضاعة التي وصل اليها الانفتاحيون الجدد بمحاولة ضربهم لكل القيم الأصيلة بحثا عن الثروة والمجد.
قلب الليل
وعن رواية للكاتب نجيب محفوظ قدم نور الشريف عام 1990 فيلم 'قلب الليل'، وفيه معالجة لقضية فلسفية مهمة اتعبت الفكر الإنساني كثيرا، هي قضية الحرية والاختيار مرورا بالأشواق والرغبات التي تعتمل في روح الشخصيات فتنطلق لتحطم النواهي والممنوعات.
حاول الفيلم ان يتناول قضية اليقين المهتز بالشكوك والأسرار الغامضة، التي غالبا ما يعجز العقل البشري عن كشفها او ادراكها. وكانت إطلالة اخرى على بعض ملامح البطل المعاصر الذي ينشغل أحيانا بأزمة الوجود وأزمة البحث عن هوية.
البحث عن سيد مرزوق
وفي 'البحث عن سيد مرزوق' عام 1991 خاض نور الشريف تجربة مختلفة وفريدة عندما تجاوز داود عبد السيد مؤلف ومخرج الفيلم حدود الواقعية الصارمة وقرر ان يقفز فوق التفاصيل والعلاقات المرتبطة بالواقع ليخلق عالما مختلفا يرتكز على معطيات الواقع، لكنه يقوم على منطق خاص يمزج بين الحلم والواقع من دون تحديد لما بينهما من حدود، حيث ان الواقع هنا مجرد جسر يعبر عليه الفنان لينفذ الى جوهره محققا نوعا من الواقعية الجسورة التي تقترب الى حد ما من السريالية.
دماء على الإسفلت
وفي عام 1992 جسد نورفي فيلم 'دماء عل الاسفلت' شخصية الدكتور ثناء الذي يعمل في احدى المنظمات الدولية، وعندما يعود بعد غياب يفاجأ بأن الانحلال أصاب أسرته. ويحاول اصلاح الأمور مهما كانت الخسائر.
كان نور الشريف قادرا على رغم الاختيارات المحدودة في السينما في ذلك الوقت على الاختيار بوعي ليقول كلمته من خلال ابطاله.
ناجي العلي
وفي عام 1992 قدم نور الشريف فيلم 'ناجي العلي' عن شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي صاحب الشخصية الشهيرة 'حنظلة'. وقدم نور تنويعة جديدة لملامح البطل الذي يحمل في قلبه الهم العربي ويرغب في تجاوز الواقع المهزوم ويحلم بالوطن الذي لا يدوسه الغرباء.
ليلة ساخنة
وفي عام 1996 قدم 'ليلة ساخنة'، ومع عاطف الطيب قام باستخراج احشاء القاهرة في ليلة رأس السنة، وأشار البطل الى امراض المدينة وتوحشها. وكان الفيلم بمنزلة تقرير بصري شديد السخونة عن افتقاد الدفء وتنامي تجارة التعصب والتشدد وغياب الوعي والانغماس في الملذات الصغيرة. كان 'ليلة ساخنة' تنويعة جديدة على 'سواق الأتوبيس'، لكن من خلال سائق تاكسي هذه المرة يستكشف ويكشف عن قاهرة التسعينات الشرسة التي لا ترحم مواطنيها، المفعمة بالحب الذابل والكراهية البغيضة، المحتشدة بالأوغاد والسفلة، وبالغلابة والمقهورين، المزدحمة بالجلادين والضحايا.
المصير
وفي 'المصير' الذي عرض عام 1997 برع نور الشريف في تجسيد شخصية ابن رشد، وصرخ في احد المشاهد باحساس المثقف المهموم بإيصال فكره وعمله للناس 'انا بكتب ايه ولمين ولا اللي بكتبه مابيوصلش لحد'. استعار 'المصير' حياة واحد من اكبر التنويرين، وعلى لسانه جاءت دعوة مهمة عالية الصوت واللهجة للدفاع عن خيارات الحداثة والفكر والفن. وكانت هناك أيضا صيحة تحذير وتنبيه من الردة الفكرية التي تطرق الأبواب بعنف وتأكل في طريقها وطرقها الأخضر واليابس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.